جريدة الجرائد

تجنّب تغيير "الوضع الرّاهن"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الإنسان بطبيعته لا يحبذ التغيير، لأنه يخرجه من منطقة الراحة إلى عناء تجربة جديدة محفوفة بالمخاطر. وهذا ما يحدث على صعيد شعوب تفضل الحاكم المستبد مثلاً على القفز إلى مجاهيل الثورة. وأظهر التاريخ أن كثيراً من الثورات لا تحقق بالضرورة آمال الشعوب بالاستقرار والرخاء.

تجنب تغيير الوضع الراهن Status-Quo ليس حالة سياسية فحسب، بل طبيعة بشرية، إذ إنه مرتبط بالخوف من فقدان شيء ذي قيمة كالراحة والأمان والألفة. هناك من لا يغادر عمله إلى مداخيل أفضل لأنه "ألِف" مديره وزملاءه. وهذا يذكرني بكتاب "من حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟" الذي أنصح بقراءته أو مشاهدة أحد فيديوهاته التي نشرتها في حسابي في منصة X (تويتر). فكثيرون حرموا اللذة المادية والمعنوية لأنهم يعتقدون أنهم يتناولون ألذ قطعة جبن (متع الحياة). فيما قد نكون على بعد خطوات من أفخر أنواع الجبن، لكننا نؤثر البقاء في مكاننا.

كثيرون لا يميلون نحو التغيير. المديرون بطبيعتهم لا يحبذون التغيير مقارنة بالقياديين، وذلك لسبب بسيط وهو أن القيادي لن يشارك في تفاصيله، إذ إن همّه تغيير الوضع السائد إلى وضع أفضل، لكن المدير سيضطر إلى إعادة تدريب فريقه وتأهيله وسوف يتحمل تداعيات أخطائه من جديد، وقد يفقد صلاحيات تهمه، فضلاً عن أن التغيير قد يأتي بأمور مجهولة. ولذلك يقترح القيادي تغيير اللوائح والنظم لكن المدير يحاول مقاومة التغيير الشامل أو تأجيله لأنه سيرهقه. وهذا ما يفسر تجاهل القيادي نداءات من حوله بالتريث في قراراته التغييرية.

وفي الواقع يقاوم الناس التغيير لأسباب أخرى، منها ما يسمى بالتنافر المعرفي Cognitive Dissonance وهو شعور المرء بالانزعاج الشديد حينما يقبل على تحدي تغيير معتقداته أو قيمه السائدة. وهذا ما يجعل البعض يتصدى للتغيير من أجل البقاء في وضعه الراهن تجنباً لعبء الدفاع عن معتقدات أو قيم جديدة يحتاج أن يبررها للآخرين. مثل امرأة تقرر نزع الحجاب أو ارتداءه للمرة الأولى، أو شخص اختار في نهاية عمره أن يكون انتهازياً ضارباً عرض الحائط بقيم تعارض المصالح بعدما كان مضرباً للمثل في النزاهة.

في بعض الأحيان يجد المرء نفسه أمام حاجز "الامتثال الاجتماعي" أو ما يطلق عليه Social Conformity وهو مفهوم ينبع من أن الإنسان كائن اجتماعي، ولذلك فإنه ينظر إلى سلوكيات الآخرين قبل أن يقدم على تغيير سلوكه. مثل من يقرر أن يحمل معه بقايا الفشار والمشروبات بعد مشاهدة الفيلم في السينما إلى حاوية القمامة، وذلك عند رؤيته تلك الظاهرة الإيجابية في من حوله. والعكس صحيح ربما يتراجع عندما يشعر أنه الوحيد الذي يفعل ذلك ولن ينكر سلوكه أحد. البعض قد يخشى التمرد على الوضع السائد من فساد أو تسيب خشية أن يهاجم أو يتم إقصاؤه.

تتفاوت أسباب تفضيل الوضع الراهن، لكن التاريخ يقول بأن أعظم الإنجازات الفردية والمؤسسية كان في الإقدام على شيء من المجازفة المدروسة. نسميه في عالم الاستثمار بالـ calculated risk. والتعلق بأهداب الوضع الراهن ربما يكون مريحاً موقتاً لكنه قد يصبح هدوء ما قبل عاصفة التغيير. فمن يرفض التغيير سيصبح جزءاً منه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف