عقول في حجم الدبوس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في الواقع الإيموجيز التي وجدت لتبسيط التواصل بين الناس من مختلف الثقافات، لم تسلم من مشكلة الاختلافات الثقافية والدلالية، ومن التحول إلى رموز للتهديد والتحرش والقتل، وقد أوجدت مرضاً يعرف باسم اضطراب ضعف التواصل الاجتماعي؛ لأنها جعلت الناس أقل كلاماً..
نشرت الصحافة البريطانية دراستين عن الإيموجيز أو الرموز التعبيرية في فبراير الجاري، وكانت إحداهما تنتصر للنساء وتعتقد أنهن، بشكل عام، أكثر قدرة من الرجال على فهمها، وأكدت، في نفس الوقت، أن هذه التفسيرات تتأثر بأعمار الأشخاص وخلفياتهم الثقافية بجانب الجنس، فيما رأت الدراسة الثانية أن كبار السن لا يستخدمونها بطريقة صحيحة، ولاحظت وجود اختلافات بين البريطانيين والصينيين في أساليب توظيفها، ولعل الثابت ما أوضحته دراسة ثالثة نشرت في 2015، بعد مراجعة ما يزيد على 20 ألف بحث تم نشرها، وشملت أكثر من 12 مليون شخص من الجنسين، فقد رأت أن التوافقات السلوكية بين الرجال والنساء أقل من الاختلافات، إلا أني أميل نسبياً، مع من يرى أن ذكاء النساء عاطفي لا عقلاني، بينما الرجال منطقيون وواقعيون بدرجة أكبر، وموقفي الشخصي الثابت، هو أني لا أحمل تقديراً لمن يبالغون في إرسال الإيموجيز بأنواعه، وأجد أنهم يعانون من فقر في اللغة وسطحية في التفكير.
من غير المقبول، بطبيعة الحال، إدخال الإيموجيز في المراسلات الرسمية، مع أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، قامت في عام 1862، بنشر خطبة للرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، متضمنة في سطورها وجهاً مبتسماً مصحوباً بغمزة، ولعلها غلطة مطبعية، إلا أنه وقبل هذا التاريخ، وتحديداً في القرن الثامن عشر الميلادي، كان الفنانون والكتاب يرسمون ما يشبه الوجه المبتسم بجوار تواقيع مراسلاتهم، في محاولة لتخفيف حدة الكلام المكتوب وحتى لا يفهم خطأ، وهناك من يعيد بدايات الإيموجيز إلى الإمبراطورية الحيثية، أو لما قبل ثلاثة آلاف وسبعمائة عام، فقد تم العثور على جرة من هذه الحضارة، ولوحظ أن الوجه السابق رسم عليها، وكلمة الإيموجيز ظهرت للمرة الأولى في أواخر تسعينات القرن العشرين، وكانت تعرف قبلها بـ(الإيموتيكون)، وبالأخص في زمن الرسائل النصية والآلة الكاتبة، لأنها كانت ترسم بعلامات الترقيم، والإيموجـــي بدأ في اليابان ورموزه مأخوذة من رسوم (المانجا)، وتصميمها الأول محفوظ بمتحف الفن الحديث في نيويورك، وقد انتقلت الممارسة من اليابان وآسيا إلى العالم عن طريق شركة أبل في 2011.
الإيموجيز حاضرة اليـــــوم في 212 دولة، ويستخدمها قرابة مليــارين وتسعمائة ألف شخص، ويمكن اعتبارها لغة عالمية، لمن أعمارهم بين 18 و34 عاماً، ومن الشواهد، أنه في اليوم الواحد يتم إرسال مليار إيموجي من منصة (فيسبوك)، و50 % من التعليقات على إنستغرام عبارة عن إيموجيز، ومن بين الثلاثة مليارات ومئتي مليون مستخدم للإنترنت، يوجد حوالي 93 % يتواصلون بها، وقد تم إدراجها في قامـــــوس إكسفورد الإنجليزي عام 2015، وبعض رجال السياسة في أميركا يوظفونها للحصول على قبول النـــــاس، وفي رأيي، الإيموجي تعطل مهارات التفكير عند الإنسان، ولا تعطي اللغة القيمة التي تستحقها، بخلاف أن تفسيراتها محدودة ومقيدة.
الإشكالية الأصعب أن عدد الجرائم التي كان الإيموجيز طرفاً فيها، بحسب إحصاءات جامعة سانتا كلارا الأميركية، ارتفع من قضية واحدة عام 2004 إلى مئة قضية عام 2019، وفي 2016 حكمت محكمة فرنسية على شخص بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، لأنه هدد بواسطة رسالة تحتوي إيموجي مسدس، بعدما نظر إليه كدليل على وجود القصد الجنائي، ولدرجة قيام شركة أبل بتغييره لمسدس ماء، والضغط بالمشاركة مع شركة مايكروسوفت ضد إضافة إيموجي البندقية، وفي قضية ثانية بولاية ماساتشوستس الأميركية، تحول الحكم من قتل شبه عمد إلى قتل عمد، لأن القاتل أضاف في رسالته للضحية، إيموجي وجه مفجوع وعيناه عليهما علامتا إكس، بخلاف وجود قضايا تستحــــق العقاب، استعـــــان فيها الدفاع بإيموجي الوجه المبتسم، الموجود في المحادثات الإلكترونية، للدلالة على أن المكتوب كان مجرد مزحة ولم يكن حقيقياً، مع أن البعض ينظر إلى هذا الوجه كأداة للعنف السلبي، ولا أدري إذا ما كان القضاء السعودي يأخذ بالإيموجيز ومعانيها.
المرأة قد تفهم الإيموجي بشكل أفضل من الرجل، لأنها تهتم بالتفاصيل، ولأن عقلها متعدد المهام، ويمكنه القيام بأعمال كثيرة معاً، والرجل عقله أحادي المهام ولا يستطيع ذلك، ولكنها على المستوى العلمي لا تتميز عنه إطلاقاً، وسأقدم أدلة غربية وليست عربية وبالإمكان اختبارها، فالعالمات النساء في الجمعية الملكية البريطانية لا يتجاوزن 6 %، وفي فرنسا 8 %، وفي أميركا 13 %، والنسبة الأعلى عالمياً موجودة في كوبا الشيوعية، وتصل إلى 27 %، ولن أزيد.
في الواقع الإيموجيز التي وجدت لتبسيط التواصل بين الناس من مختلف الثقافات، لم تسلم من مشكلة الاختلافات الثقافية والدلالية، ومن التحول إلى رموز للتهديد والتحرش والقتل، وقد أوجدت مرضاً يعرف باسم اضطراب ضعف التواصل الاجتماعي؛ لأنها جعلت الناس أقل كلاماً، وإذا كانت هناك فوارق فعلية بين الجنسين، بفعل الإيموجيز والإنترنت، فلا أتصور أنها تخرج عن قابلية الرجال الأكبر للإصابـــة بالبارانويا، في مقابل انتشار سمات الشخصيات الهستيرية بين النساء.