المخزنجي أمام قبر يوسف إدريس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أيام معدودة فقط كانت فصلت بين موعد عقد قران القاص الكبير محمد المخزنجي على زوجته السورية، ووفاة يوسف إدريس صديقه الأقرب وزميله في &"الحكي&" وهي المفردة التي يفضلها المخزنجي على مفردة &"السرد&" حين يدور الحديث عن كتابتهما معاً، فهما الاثنان ممن خلقوا ليحكوا، عبر فن القصة القصيرة، بوصفهما أهم اسمين لها في مصر وربما في محيطها العربي كذلك. كان المخزنجي، يومها، في سوريا للتعرف إلى عائلة عروسه، حين أخبره أحد أفرادها بوفاة صديقه في لندن حين كان يتلقى العلاج بعد دخوله في غيبوبة إثر إصابته بنزيف في الدماغ.
قال المخرنجي إن سماعه الخبر زلزله لحظتها، رغم أنه كان يعرف من واقع متابعة مباشرة لمرض صديقه أن &"النجاة في مثل حاله مجرد دعاء ورجاء&". لكن &"المحبة لا يعرف قدرها إلا عند الفراق&". العبارة المتداولة التي كررها المخزنجي وهو يصف شعوره لحظتها. أراد حينها البكاء لعله يفرج ما تجمع في صدره من قهر الشعور بفقد أعزّ من له في القاهرة. لم يطعه البكاء. لعل حجم صدمته أكبر من أن يعبر عنها بالدموع.
حين عاد إلى مصر قصد المخزنجي وحيداً &"البيروم&"، قرية إدريس ومسقط رأسه. هناك وجد من دلّه على قبر صديقه. &"قبر لا يمكن أن يكون إلا ليوسف إدريس&" &- هكذا وصف قبر صديقه: &"وحده يسكن تلّة خفيضة تخرج منها شجرة سنط ينحني جذعها فاتحاً فوق القبر مظلتها الخضراء المرصعة بزهور صفراء مدوّرة كشموس صغيرة. مظلة حيّة تحنو على قبر الغالي في وهج الهجير، وتلوذ بها العصافير مشقشقة لتؤنس انفراده&". هناك، وعبر غلالة الدمع، وجد اسمه ووسمه محفوراً في قطعة الرخام المسواة بيد ريفية لا بد أنها كانت كبيرة كبر إدريس نفسه: &"هنا يرقد ابن مصر البار.. الدكتور يوسف إدريس&".
هذا الوصف المحزن قاله محمد المخزنجي في المقدّمة الجميلة التي كتبها لكتاب الناقد والمفكر الراحل جابر عصفور عن كتابه يوسف ادريس، وهو كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعد رحيل عصفور، وهو آخر ما أعدّه الراحل للنشر من كتبه الكثيرة. المنية عاجلت عصفور قبل أن ينجز الكتاب في صورته النهائية، ولكنه يبقى كتاباً مهماً عن أدب يوسف إدريس من منظور ناقد كبير مثل جابر عصفور، حيث جمع بين الرجلين تقدير متبادل.
أعدّت الكتاب للنشر الناقدة والأكاديمية د. هالة أحمد فؤاد زوجة عصفور ورفيقته، هي التي قالت في تصديرها للكتاب إنها وجدت أن محمد المخزنجي بالذات هو خير من يكتب مقدّمة الكتاب، الذي ستكون لنا وقفة أمامه في مقالٍ تالٍ قريب.