جريدة الجرائد

صلاحيّة الحوثيّين انتهت أميركياً...

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بات في الإمكان الكلام عن انتهاء صلاحيّة الحوثيين أميركياً. يطرح هذا الواقع نفسه بعدما استفاد الحوثيون طويلاً من تواطؤ الغرب معهم. يبدو حالياً أنّ اللعبة التي مارسوها طوال سنوات لم تعد مقبولة ولا مستساغة، خصوصاً بعد تعطيلهم الملاحة في البحر الأحمر، أحد ممرات التجارة الدولية. أكثر من ذلك، ليس مسموحاً تحكّم "الجمهوريّة الإسلاميّة" بحركة المرور في قناة السويس عبر أداة يمنيّة لم يعد سراً مدى ارتباطها بـ"الحرس الثوري".

كانت لعبة الحوثيين تقوم على ممارسة دور الأداة الإيرانيّة التي تفيد في الوقت نفسه الولايات المتحدة وتخدم مصالحها. استغلّت أميركا الحوثيين في ابتزاز دول المنطقة، في مقدّمتها الدول العربيّة في الخليج.

لهذا السبب لا لغيره، كان هناك، في الماضي القريب، تعاطف أميركي وبريطاني مع الحوثيين. أدّى هذا التعاطف إلى بقاء ميناء الحديدة تحت سيطرة من يسمّون أنفسهم "جماعة أنصار الله" إثر مؤتمر استوكهولم الذي انعقد أواخر عام 2018. انعقد المؤتمر بإشراف الأمم المتحدة في وقت كان هناك هجوم جدى يستهدف إخراج الحوثيين من هذا الميناء المهمّ على البحر الأحمر.

كان استمرار سيطرة "جماعة أنصار الله" على ميناء الحديدة منعطفاً مهماً على الصعيد اليمني. صارت هذه السيطرة ممكنة بعد وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21 أيلول &- سبتمبر 2014. لعبت ما يسمّى "قبائل الطوق"، التي استثمرت فيها إيران مع أطراف آخرى طويلاً، دوراً حاسماً في جعل الحوثيين يتمكنون من صنعاء ثمّ من الحديدة.

مكّن هذا الاستثمار الناجح في "قبائل الطوق" الحوثيين من السيطرة على صنعاء بعدما رفض الرئيس الانتقالي، وقتذاك، عبد ربّه منصور هادي سماع نصيحة علي عبد الله صالح التصدي لهم في محافظة عمران، أي قبل وصولهم إلى مشارف العاصمة. دفع علي عبد الله صالح نفسه في مرحلة لاحقة، في الرابع من كانون الأوّل &- ديسمبر 2017، ثمن دخول الحوثيين صنعاء. واجههم بشجاعة مع مجموعة قليلة من حراسه بعدما اتخذوا قراراً باغتياله إثر استنفاد الغرض من التحالف الشكلي والموقت الذي أقاموه معه.

تكمن أهمّية الحديدة في أنّ الميناء يؤمّن لـ"أنصار الله" موارد مالية كبيرة، عن طريق الخوات والضرائب التي يفرضونها على كلّ ما يمرّ في الميناء ويأتي عبره. كما أن ميناء الحديدة الذي يستخدمه الحوثيون لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، هو المكان الذي تأتي منه الأسلحة التي مصدرها إيران، بما في ذلك الصواريخ البالستية والمسيرات التي كانت في مرحلة معيّنة تطلق في اتجاه الأراضي السعودية.

على من يعتقد أن ميناء الحديدة لن يستعاد من الحوثيين يوماً، أن يتذكر أنّ ميناء عدن كان في يد الحوثيين أيضاً، كذلك ميناء المخا الذي يتحكّم بمضيق باب المندب على نحو مباشر. استُعيد الميناءان، كما استُعيد ميناء المكلا. هناك قوى جدّية تقاتل على الأرض، هي "ألوية العمالقة" ومجموعات أخرى. إضافة إلى ذلك، هناك "حراس الجمهورية" بقيادة العميد طارق محمّد عبد الله صالح ابن شقيق علي عبد الله صالح.

في النهاية، كان القرار القاضي بمنع سقوط اليمن بكامله في يد إيران قراراً جدياً اتخذه التحالف العربي الذي شنّ "عاصفة الحزم" في آذار &- مارس 2015. حققت "عاصفة الحزم"، على الرغم من الأخطاء التي ارتُكبت في مجال اختيار الأهداف، وعلى الرغم من الاعتراضات الأميركيّة، جزءاً من أهدافها، وستتمكّن من تحقيق القسم الباقي قريباً، على الرغم من صمود وقف النار مع الحوثيين الذين أوقفوا هجماتهم على السعودية والإمارات. حصل تغيير أساسي وعميق على صعيدين، أولهما الصعيد الأميركي والآخر صعيد "الشرعيّة" في ضوء خروج عبد ربّه منصور هادي من السلطة وحلول مجلس موسع على رأسه الدكتور رشاد العليمي مكانه.

المهمّ في المرحلة المقبلة دعم "الشرعيّة" والقوى المتحالفة معها، وهي قوى أظهرت في الماضي قدرتها على أخذ المبادرة كما حصل عندما منعت "ألوية العمالقة" سقوط مدينة مأرب وتمدد الحوثيين في اتجاه محافظة شبوة ذات الأهمّية الإستراتيجية الكبيرة. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه يبدو أنّ الإدارة الأميركيّة تعلّمت من تجاربها مع الحوثيين ومن كون قرارهم قراراً إيرانياً لا أكثر. يصبّ هذا القرار في استخدام إيران حرب غزّة لتحقيق مآرب خاصة بها. بين هذه المآرب تأكيد كمية الأوراق التي تتحكّم بها في المنطقة، بينها ورقة الملاحة في الخليج وصولاً إلى قناة السويس.

ليست معركة الحديدة التي يظهر أنّها لم تعد بعيدة سوى خطوة أخرى مهمّة في طريق طويل اسمه التصدّي لمشروع يقوم على مبدأ تفتيت العالم العربي عن طريق إثارة الغرائز المذهبية. كان السؤال دائماً: هل من سيتصدى لهذا المشروع أم لا؟ الجواب نعم كبيرة يؤكدها ما يدور حالياً في الحديدة. ستكون استعادة الميناء والمطار والمدينة نفسها نقطة تحوّل، ليس على الصعيد اليمني فحسب، بل على الصعيد الإقليمي أيضاً.

ارتكب الحوثيون الخطأ القاتل الذي كان مفترضاً أن يتجنّبوه. لا خيار آخر أمام الغرب وأميركا غير التصدي لهم. متى سيحصل ذلك وكيف سيحصل؟ الجواب في الأسابيع القليلة المقبلة التي ستكون حبلى بالأحداث...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف