ما وراء آكام الشعر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل ترى من عيب في أن يبحث المرء، بين الحين والحين، عن شيء من نكد الدنيا؟ في الحقيقة، كان الخاطر هادئاً هانئاً، فجأة طرأت على البال موجة بلبال. قالت النفس الأمّارة بالسوء للنفس الغافلة غير الحافلة: هل من المستبعد أن يكون خبراء الإستراتيجية في القوى العاتية، قد تتلمذوا طويلاً، على يدي أبي الطيب، مثلما فعل أبو الفتح بن جني، أربعين سنة يدرس الصرف على يدي أبي علي الفارسي؟ منذ عقد، كتب القلم في هذا العمود: &"المتنبي لنا وشعره لهم&". آنذاك ذكر أن عتاولة الإمبراطورية هم الذين طبّقوا قوله حرفاً حرفاً، بينما العرب حرفوا قوله حرفاً حرفاً، وجرفوا معانيه جرفاً جرفاً، وصرفوا الأنظار عن مراميه صرفاً صرفاً.
مطلع قصيدته خليق بترديده بالمسبحة: &"أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ&". كل نظريات برجنسكي وكيسنجر والبنتاغون ووكالات الاستخبارات والخارجية والبيت الأبيض والكونغرس، تتلخص في هذا الشطر. ثمّ، مصبّات اهتماماتهم في الشرق الأوسط، في خلفيات أوكرانيا وما وراء أكمة استهداف روسيا ومحاصرة الصين، وإخضاع أوروبا، والمقاصد في ثمانمئة قاعدة عسكرية... تتلخص في أن أقوى الدول هي تلك التي تؤسس على إرادة التفوق بلا منافس.
قلت للقلم: لا تخرجنا عن الموضوع، فأنت تشطح إلى أن الكثيرين لا يعرفون أن أبا الطيب خبير استراتيجي أكثر منه شاعراً. ما من عربيّ إلاّ وطرق سمعه: &"مصائب قوم عند قوم فوائدُ&"، لكن، هل يدرك القوم البيتين التاليين؟ بيتان ترتعد لهما فرائص الدماغ. ما يرعبك هو أنك تستعيد تلقائياً أن الجبابرة قد طرحوا على مشرحة علم النفس شعر المتنبي. هل سمعت يوماً عربياً مستشهداً بالبيت: &"بذا قضتِ الأيامُ ما بين أهلها..مصائب قوم عند قوم فوائدُ&"، ثم يسترسل: &"ومن شرف الإقدام أنك فيهمُ.. على القتل موموقٌ كأنك شاكدُ... وأن دماً أجريتَه بك فاخرٌ.. وأن فؤاداً رُعْتَه لك حامدُ&"؟ لا شك في أن كلمتي &"موموق&" و&"شاكد&" غير المألوفتين تصرفان الذهن عن تقصّي المعنى. أبعد الله سوء الظن في التأويل، الموموق، المحبوب، والشاكد المُعطي. شكد: أعطى. يقول: إن الذين تقتلهم يحبّونك كأنك تجود عليهم، (ففي يديك 99% من أوراق الحلّ)، والدم الذي تسفكه يفتخر بأنه نازلك، والقلب الذي تروّعه (من نظرية الصدمة والترويع)، يشكرك لأنك منحته فرصة الفرار.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: من الضروري تحليل التراث الأدبي بالأشعة السينيّة، قبل تسويقه في المناهج.