بين "حزب الله" و"التّيار الوطني الحر"... هجرٌ قبل إعلان الطّلاق!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ما كان "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" ينتظران عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على غزة ليباشرا إجراءات الطلاق من "زواج" تفاهم مار مخايل الذي أدارا بموجبه علاقتهما وسياسة البلد منذ 6 شباط (فبراير) 2006 وحتى نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، عندما بدأت كرة ثلج الخلافات بين الطرفين تتدحرج ويكبر حجمها مع كل استحقاق، أياً كانت أهميته، من التعيينات الإدارية والقضائية والعسكرية، إلى الاجتماعات الحكومية وجداول أعمالها، إلى الاستحقاق الأبرز وهو انتخاب رئيس للجمهورية.
لم يعلن الطلاق رسمياً بعد، لكنه أصبح أمراً واقعاً ينتظر انتهاء انشغال "حزب الله" بالحرب الدائرة بينه وبين إسرائيل كملحق لحرب غزة. وإذا كانت السياسة اللبنانية حبلى بالعجائب والمفاجآت، فإن العودة عن هذا الطلاق ستكون من العجائب والمفاجآت، وهو احتمال ما زال الطرفان يتركان الباب "مشقوقاً" قليلاً له.
عاش التفاهم نحو 16 عاماً قبل أن تبدأ الخلافات الكبرى بالظهور إلى العلن، "تفاهم" خلالها الطرفان على كثير من الملفات الداخلية والخارجية، والتصق تيار عون التصاقاً وثيقاً بـ"حزب الله" ومحور الممانعة، ووقف إلى جانبه في عدوان تموز 2006، وزار قائد "حرب التحرير" دمشق ثم دافع عن مشاركة الحزب في الحرب السورية متبنياً وجهة نظره القائلة بـ"وجوب محاربة الإرهاب في أرضه قبل أن يهاجمنا في أرضننا"، وتوافق الطرفان في الكثير من الملفات الداخلية المتعلقة بالانتخابات النيابية وتشكيل الحكومات وتطييرها، ومد الحزب يد العون لعون في أكثر من مناسبة انتخابية، وخاضا معاً معاركهما السياسية ضد خصومهما، ومنع الحزب انفجار العلاقة بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر من مرة، مضبضباً الأوضاع داخل ما كان يعرف بقوى 8 آذار التي كان يواجهها فريق آخذ بالتآكل هو فريق 14 آذار الذي يضم خصوم الحزب والتيار من القوى المعارضة لسوريا ومحور الممانعة.
إلا أن الجائزة الكبرى التي قدمها الحزب لعون هي إيصاله إلى رئاسة الجمهورية، حلمه التاريخي. لم يصل عون إلى رئاسة الجمهورية بفعل الصفقة التي عقدها جبران باسيل مع سعد الحريري، بل نتيجة أصابع قيادات "حزب الله" التي رفعت شعار عون أو لا أحد وفرضته على الجميع في لبنان وخارجه. صفقة الحريري - باسيل هي نتيجة لإصرار الحزب على عون وعدم القبول بأي نقاش إلا من خلال تثبيت انتخاب عون.
وما دام الحديث عن الحريري، فهو كان الضحية الأولى لتحالف عون - "حزب الله"، فهو خصمهما المحلي والإقليمي. في ذروة التوتر الشيعي &- السني في المنطقة مع اندلاع الحرب السورية وما رافقها من انهيارات وانفجارات في المنطقة، حاصر فريقا التفاهم الحريري وأسقطا حكومته وحارباه بكل الوسائل، ووصل الحد بعون إلى القول إنه "قطع له تذكرة سفر بلا عودة"، وصنف "تيار المستقبل" في خانة "داعش" ، لا بل هاجم والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري بطريقة استفزازية أكثر من مرة، معتبراً أنه شهيد عائلته فقط وليس شهيد لبنان.
ركب عون نظرية المشرقية وتحالف الأقليات ليبرر مواقفه السياسية، النظريتان لم يخترعهما، بل استعارهما موقتاً لتغطية ابتعاده عن محور الدول العربية، لا سيما الخليجية، واقترابه من محور الممانعة كرمى لعيون التفاهم مع "حزب الله". اليوم يغيب هذا الخطاب عن أدبيات التيار الليموني، وليس كلاماً عابراً أن يشتاق النائب في التيار ألان عون لسعد الحريري وأن يقول إن التجارب السابقة تدفع التيار لخلط أوراقه من جديد، ما سيؤثر على تموضعه وإعادة صوغ الكثير من العلاقات التي باتت من الماضي.
سيكون مبكراً الحديث عن انقلاب كامل في المعادلة السياسية الداخلية، كأن ينعطف "التيار الوطني الحر" في اتجاه مغاير كلياً لاتجاهه السابق، عبر التقرب من الدول الخليجية والابتعاد عن المحور الإيراني، لكن في السياسة اللبنانية كل شيء وارد.
رئيس "التيار الحر" جبران باسيل كان واضحاً في اتهامه "حزب الله" بالتخلي عن الشراكة وعن بناء الدولة وبتخطي سقف حماية لبنان عبر انخراطه في حرب غزة، بعدما كان سبقه الرئيس عون بالقول إن لبنان لا يرتبط بمعاهدة دفاع مع غزة، تعبيراً عن معارضته تدخل "حزب الله".
الهوة بين طرفي التفاهم أصبحت واسعة جداً، وباسيل يتجه أكثر فأكثر نحو مسيحيته، ملاقياً تياراً واسعاً من المسيحيين يرفض مشاركة "حزب الله" في حرب غزة لئلا يدفع كل اللبنانيين ثمناً باهظاً. هو الآن أقرب إلى القوى المسيحية التقليدية أكثر منه إلى "حزب الله"، وربما يبحث عن بديل مسلم لـ"حزب الله" وهنا لن يجد إلا "تيار المستقبل"، وهنا أيضاً مشكلة.
كان جبران باسيل يمنّي النفس بأن يحظى بفرصة حميه نفسها لدى "حزب الله"، فقطع كل الجسور مع خصوم الحزب على أمل، لكن الحزب كان حاسماً: مرشحنا سليمان فرنجية، وبالطريقة نفسها التي أصر بها على عون عام 2016 يخوض معركة فرنجية حالياً.
بكل الأحوال، كل الحركة السياسية في لبنان مرتبطة بحرب غزة وكيف ستنتهي في القطاع وعلى الحدود اللبنانية الجنوبية. كل ما يجري حالياً هو ملء الفراغ بمثله.