جريدة الجرائد

حقائق فرضتها الانتخابات الرئاسية الروسية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أظهرت الانتخابات الرئاسية الروسية التي أجريت على مدى ثلاثة أيام، خلال الأسبوع الماضي &"فوزاً قياسياً&" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما يشكل سابقة في تاريخ هذا البلد، في وقت تخوض فيه روسيا حرباً مصيرية حول &"مشروعها الوطني&" الذي يحمل بوتين رايات التبشير به، وهو أن تعود روسيا مجدداً قوة عالمية قادرة على فرض معادلة جديدة لنظام عالمي أكثر عدالة، وديمقراطية، وتحرراً من قيود وأعباء هيمنة الغرب، واستعلائه.

أبرز مؤشرات هذا الفوز أن الرئيس بوتين، الذي يحكم روسيا منذ عام 1999، أي ما يقرب من 24 عاماً سيبقى في السلطة حتى عام 2030، أي حتى يبلغ من العمر 77 عاماً، مع احتمال فوزه بولاية إضافية، إن أراد، حتى عام 2036 بفضل تعديل للدستور أجري قبل أربع سنوات. هذا &"الفوز القياسي غير المسبوق&" كانت له أصداؤه على المستوى الروسي الداخلي، وعلى مستوى جبهة الأصدقاء لروسيا، لكن الأهم هو أصداء هذا الفوز على &"جبهة الأعداء الغربيين&". هذه الأصداء مجتمعة من شأنها أن تفرض حقائق مهمة تخص الصراع الاستراتيجي الذي تخوضه روسيا مع الغرب، ومستقبل هذا الصراع.

أولى هذه الحقائق هي توحد الأمة الروسية حول مشروعها الوطني، وزعامة هذا المشروع متمثلة في رئيسها بوتين، ويظهر من معالم القوة والكفاءة، مقارنة بالمرشحين الأمريكيين للرئاسة جو بايدن (81 عاماً) ودونالد ترامب (77 عاماً)، ما يؤهله لقيادة قادرة على تحقيق النجاحات والانتصارات. فقد عبّر الشعب الروسي عن توحده خلف بوتين مرتين، الأولى عندما توجه إلى صناديق الاقتراع بحماسة غير مسبوقة. فالنتائج كشفت عن أعلى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد حيث بلغت أكثر من 77%، كما أعطى نحو 76 مليون مواطن أصواتهم للرئيس بوتين، بنسبة بلغت 87,29%. واعتبر الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، النتيجة &"مثالية بشكل استثنائي للرئيس بوتين، وأبلغ تأكيد على دعم الشعب الروسي لرئيسه، والتفافه حول مساره&".

ثانية هذه الحقائق هي &"مركزية الحرب الأوكرانية&" في الفكر الاستراتيجي الروسي، وإصرار روسيا على مواجهة الغرب وانتصار مشروعها في أوكرانيا. فقد شهدت أيام الاقتراع الثلاثة تكثيفاً أوكرانياً لضرب مواقع مدنية وعسكرية داخل روسيا، بقدر ما شهدت تصعيداً عسكرياً روسياً ضد أوكرانيا. وتعهد الرئيس بوتين بالرد على الهجمات الأوكرانية التي اعتبرها &"محاولات أوكرانية للتشويش والإساءة&" للانتخابات الرئاسية الروسية.

وفي &"خطاب النصر&" الذي ألقاه الرئيس بوتين، ليلة الأحد &- الاثنين، في مقره الانتخابي، أكد أنه &"لن يمكن أبداً قمع إرادة الروس من الخارج&"، ورأى أن نتيجة الانتخابات توفر &"شروطاً لمزيد من المضي قدماً حتى تصبح روسيا أقوى وأقوى وأكثر فاعلية&". وتوعد الأوكرانيين بمواصلة &"مفرمة اللحم&"، إن كانوا يريدون ذلك، في إشارة إلى عنف الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه وجّه بوتين رسالة نارية إلى الغرب، ورأى أن احتمال نشوب صراع واسع النطاق مع الغرب قائم، وأوضح: &"كل شيء ممكن في العالم الحديث&"، وزاد أنه: &"في حالة نشوب صراع واسع النطاق بين روسيا وحلف &"الناتو&" سيكون العالم على مسافة خطوة واحدة من حرب عالمية ثالثة&"، ورأى أنه &"قد لا يرغب أي طرف في ذلك&".

ثالثة هذه الحقائق هي أن العالم منقسم حول روسيا، وليس موحداً حول أوكرانيا، كما يزعم الغرب، ويسعى إلى تضليل الرأي العام العالمي بتصوير روسيا باعتبارها &"دولة مارقة&" خارجة عن الإجماع العالمي. فإذا كان الغرب، الأوروبي والأمريكي، لم يستطع كتمان أو إخفاء صدمته من نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية، فإن أطرافاً أخرى دولية مهمة، بادرت بتهنئة الرئيس بوتين على فوزه بولاية رئاسية خامسة.

ففي الوقت الذي ندّد فيه قادة الغرب بالانتخابات ووصفوها بأنها &"انتخابات غير شرعية&"، سارع حلفاء وأصدقاء الرئيس الروسي بتهنئته على فوزه في الانتخابات. وكان في مقدمتهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس الكوبي ميغل دياز كانيل، وزعيم صرب البوسنة. كل هؤلاء كانوا في مقدمة من أشادوا من قادة العالم بالرئيس، في حين أن قادة الغرب وفي مقدمتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي الذي اتهم الرئيس الروسي بأنه &"يريد أن يحكم إلى الأبد&"، وأن الانتخابات الرئاسية الروسية &"محاكاة تفتقر إلى الشرعية&"،

ورأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن &"هذه الانتخابات ارتكزت على القمع والترهيب، ولم تكن حرة أو نزيهة&"، وقبله رفض سفراء الاتحاد الأوروبي في موسكو تلبية دعوة من وزير الخارجية سيرغي لافروف لمناقشة ترتيبات الانتخابات الرئاسية. أما البيت الأبيض فقد علق على هذه الانتخابات بأنها &"ليست حرة ولا نزيهة&"، لأن الرئيس بوتين زج بمعارضيه في السجن، ومنع آخرين من الترشح أمامه.

هذه الحقائق ستفرض نفسها كمعالم مهمة في السنوات القادمة من حكم الرئيس بوتين، بخاصة ما يتعلق بمستقبل صراع روسيا مع الغرب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف