جريدة الجرائد

«داعش» ليس أداة استخباراتية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رغم أن &"داعش خراسان&" أعلن أنه خلف العملية الإرهابية في ضواحي موسكو، فإن هناك من ينفي ذلك! الإرهابيون الجناة يقولون إنهم من خطط للعملية ونفذها، والمعارضون يقولون لا!

يذكرني هذا بالتبريرات الغربية التي يقولها بعض المفسرين لإرهاب &"القاعدة&" سابقاً وحتى الآن، حيث يقول قادة &"القاعدة&" ومنظروها إنهم مؤمنون بآيديولوجية تكفيرية هي من تحركهم وتجعلهم يضحون من أجلها ويكفّرون حتى المقربين منهم، ولكنّ المنظرين في الغرب يرددون أن سبب &"11 سبتمبر/ أيلول&" وغيرها هو التوسع الأميركي والإمبريالية الحديثة وهجوم الحداثة على مجتمعات ترفضها. وقد كنت في محاضرة بجامعة غربية وردد البروفيسور كل هذه التبريرات على الطلاب، لكنه نسي أن يقول التفسير البسيط، وهو أن التطرف يولد إرهاباً! ونسي أن يقول إن المتطرفين لا يخرجون من بطون أمهاتهم متطرفين، بل شخصيات سوية طبيعية، لكنهم ينغمسون في ثقافة تحولهم إلى متطرفين ويرتقون بعد ذلك في السلم الوظيفي ليصبحوا إرهابيين!

وآخر الأعذار الجديدة هو أن &"داعش&" أداة استخباراتية، وهناك بعض المخبولين على وسائل التواصل من يقول إن الرئيس أوباما هو مؤسسه. وهم يرددون بذلك تصريحات ترمب التبسيطية الكيدية الذي يتهم أوباما بأنه خلف &"داعش&"، وهو يقصد أن انسحابه من العراق خلق فراغاً ملأه &"داعش&"! وفي كلا الحالتين الأمر غير صحيح، فجماعة &"داعش&" أعلنت ذلك في بيانها الأخير، وبينت أن دوافعها نتيجة تفكير متطرف أولاً وآخراً، وقد تلجأ دول أو منظمات لاستخدامها، لكن سبب تشكلها ونشوئها هو فكر متطرف، ونهايتها يقضي بنهاية الفكر المتطرف الذي بث فيها الحياة من البداية.

ولكن لماذا اختلاق مثل هذه الأعذار؟ هناك أصحاب نيات طيبة ينخدعون بمثل هذه الدعايات ولا يريدون إلصاق التهم بالإسلام لهذا يبحثون عن تبرير يريحهم. ولكن الإسلام كدين عظيم بريء من هذه الاتهامات، وهناك فرق كبير بين الفكر المتطرف والدين الإسلامي، ولكن، للأسف، أصبح يُنظر لهما كشيء واحد. الإشكالية أن خطاب الكراهية ساد لعقود وربما قرون، وخلق هذه البيئة الحاضنة التي جعلت المتطرفين يختطفون الدين ويتحدثون باسمه وكأنه ملك لهم، ويخرجون منهم من يريدون ويستخدمونه أداة للتحريض والتجنيد. ولهذا شهدنا في العقود الأخيرة فقط كماً كبيراً من التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية مثل &"القاعدة&" بفروعها لـ&"داعش&" بتقسيماته إلى &"حزب الله&" و&"عصائب الحق&"، كلها قامت عملياً باختطاف الدين وتكفير غيرهم لفظياً، أو الإجهاز عليهم بالأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة. إنها أزمة فكر متطرف، ولنتذكر أن روسيا تعرضت لهذه المذبحة الدموية، ولكن الدول المسلمة هي أكثر من تعرض لهجمات المنظمات الإرهابية، وأبناؤها هم الضحايا، سواء كانوا القتلة أو المقتولين. تحول فتى مسالم إلى وحش عديم القلب خلال سنوات قليلة هي مسؤولية المجتمع ولا يمكن أن يلقى اللوم عليه لوحده. لو عاش في بيئة تغرس فيه منذ صغره، في البيت والمدرسة والمسجد والتلفزيون، قيم التسامح والعقلانية وفهم الجوهر الإنساني لكل الأديان هل يمكن أن يتحول إلى إرهابي؟ بالطبع لا، سيكون إنساناً سوياً متسامحاً صالحاً يحب الخير للبشرية ويعمل لخدمتها (ولخدمة نفسه كما نفعل جميعاً)، ولن يقوم بتفجير نفسه وسط الأطفال أو دهسهم بالشاحنة كالحشرات بحجة أنهم كفار!

ولكن أكثر من يردد هذه الاتهامات بأن &"داعش&" أداة استخباراتية هم أصحاب النيات السيئة لسبب واضح وبسيط، وهو أنهم لا يريدون محاكمة الفكر المتطرف، ولهذا يقومون بخلط الأوراق. وهم من يقولون في كل مرة إن المنفذين مرضى نفسيون ومختلون، وهذا أيضاً عذر آخر بهدف التشويش بتحويل القضية من قضية فكرية ثقافية إلى قضية صحية! ولكن المرضى النفسيين يذهبون إلى العيادات ولا نراهم ينظمون أنفسهم في جماعات مسلحة حديدية ويحرقون المجمعات ويفجرون المساجد! كل هذه مجرد خدع بصرية وهم يتحدثون الآن عن المواجهة الثقافية مع الغرب وتحويلها إلى وقود لإنعاش الفكر المتطرف وإيجاد الأعذار والمخارج له، ومن المفارقات أن هؤلاء المتطرفين يذهبون إلى الغرب نفسه الذي يمنحهم حرية التعبير، ولكن يستخدمونها للتحريض على الدول التي تتبنى الفكر المتسامح والإنساني الذي يحفظ للإسلام تساميه وروحانيته ويستعيده تدريجياً من يد خاطفيه.

ليس التوسع الأميركي أو غزو الحداثة ولا الاستخبارات ولا الاستعمار أو الإمبريالية أو المواجهة الثقافية مع الغرب. كل هذه مبررات اختلقها المتطرفون المراوغون لإبقاء فكرهم المتطرف على قيد الحياة. الإرهابيون أنفسهم أكثر صراحةً ويقولون إنهم تكفيريون ويستحلون الدماء، لنصدقهم مرة واحدة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
«داعش» ليس أداة استخباراتية
كاميران محمود -

المسألة وبكل بساطة وبكل اختصار تتلخص في الرعب الذي لف أهل الاسلام بعد ان اكتشفوا روح الحداثة المتمثلة في جعلها الاديان من الاملاك الخاصة بالفرد الغربي الحديث بعد قرون من الخضوع لاحكامها ولمن يحكمون بأسمها واصبح هذا الفردالحداثي ينظر للمؤمنين ب(ثوابت الدين)ك(أثار)بشرية يستحقون العطف والمساعدة وللتذكيربطفولة العقل البشري اي ان الاصل عنده ابتدأ بمحاكمة ومحاسبة وتفكيك نصوص الاديان ليصدر حكمه عليها بكونها انتاجا بشريا ارضيا.وعلى العكس تماما فالسمة الاهم للمجتمعات التي ترفض الحداثة وثقافتها تحول شخصيات سوية طبيعية إلى متطرفين مؤمنين بآيديولوجية تكفيرية هي التي تقاضي وتسجن وتقتل من يجاهر بالاصل البشري لنصوص الاديان(ولايقصد بهذا فرضه على المؤمن)بدلا من اعتبار ذلك اتجاها وااختيارا للعقيدة ولااعتقد بان حتى الدول التي تدعي تبنيها الفكر المتسامح والإنساني الذي يحفظ للإسلام تساميه وروحانيته لها الاستعداد لتقبل ذلك الاختيار وذلك الاتجاه .ولاغرابة في ان تكون الدول المسلمة هي أكثر من تعرض لهجمات المنظمات الإرهابية لان مؤسساتها الدينية الوسطية لاتزال تفرق بين الازواج بسبب مايكتبون وتكفر الكتاب وتبرئ قتلتهم ولم تتم فيها محاسبة الامي محمد متولي الشعراوي عندما اعلن البند الاول لميثاق داعش بمطالبته بقتل تارك الصلاة بعد استتابته ثلاثة ايام. أما التماهي الاوبامي الاسلامي فيما يتعلق بتدمير الحضارات فواضح للعيان