جريدة الجرائد

أسئلة أوروبية... في الذكرى الـ75 لـ"الأطلسي"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أحيا حلف شمال الأطلسي "ناتو" الأسبوع الماضي الذكرى الـ75 لتأسيسه في ظلّ مرحلة من انعدام اليقين بالنسبة إلى مستقبل الحلف العسكري الغربي، على خلفية شكوك متزايدة بما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الابيض في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

عندما انسحب الرئيس الأميركي جو بايدن من أفغانستان في صيف 2021، كان الناتو في أضعف وضعية له ربما منذ إنشائه، ولم يتوان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن القول في 2019، بإنّ الحلف الذي تأسس عام 1949 للوقوف في وجه المدّ الشيوعي في أوروبا، بات "في حال موت سريري"، وأنّه لا بدّ لأوروبا من التفكير بإنشاء قوة عسكرية موازية، لحماية مصالح القارة.

لم يستغرق الأمر طويلاً حتى هاجم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022، ما شكّل لحظة انبعاث جديدة لـ"ناتو" بدفع من بايدن، الذي حشد الحلف الغربي لمواجهة روسيا. ولا يزال الحلف يضطلع حتى الآن بدور مركزي في مساندة كييف، تسليحاً وتدريباً، وحقق الحلف استراتيجية بتخلّي فنلندا والسويد عن حيادهما والانضمام إليه، عقب الحرب الروسية- الأوكرانية.

لعلّ من المفيد هنا العودة إلى التذكير بأنّ أحد أسباب الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان السعي إلى الحؤول دون انضمام كييف إلى الحلف الغربي، فإذا بالحرب تعطي مفعولاً عكسياً وتدفع بدولتين في شمال أوروبا إلى الالتحاق بالحلف، تحت شعار توفير الحماية من هجوم روسي محتمل في المستقبل.

زاد هذا التطور من تمسّك بوتين بحجته أنّ الناتو يعتزم تطويق روسيا، ولذلك كان محقاً في شن الحرب من وجهة نظره.

ومع تشديد الحلف على أن لا غنى عن دوره كهيكل أمني غربي في مواجهة روسيا ومحاولاتها استعادة نفوذها الذي فقدته بانهيار الاتحاد السوفياتي، وعلى رغم كل التماسك الذي يبدو عليه الحلف، فإنّ الشكوك تساور أعضاءه الأوروبيين، حول كيف سيتصرف ترامب في حال فاز في الانتخابات بعد 7 أشهر.

لا يخفي ترامب عدم حماسه للحلف انطلاقاً من ميله إلى التيار الإنعزالي الذي يرفع شعار "أميركا أولاً". أثار ترامب قبل أسابيع الكثير من اللغط عندما قال إنّه لو عاد إلى الرئاسة فإنّه لن يدافع عن أية دولة أطلسية تهاجمها روسيا إذا كانت هذه الدولة لا تخصّص نسبة 2 في المئة على الأقل من إجمالي دخلها القومي للإنفاق العسكري.

وبكلام آخر، لا يعتزم ترامب تكبيد الولايات المتحدة تكاليف حماية دول لا تتكفّل هي بنفقاتها الدفاعية. وفعلاً، سارعت دول أطلسية كثيرة إلى رفع سقوف موازناتها العسكرية منذ الآن، وكي لا تدخل في جدل مع ترامب لو عاد رئيساً، واستطلاعات الرأي التي تعطي أرجحية للرئيس السابق في الولايات المتأرجحة، تجعل الأوروبيين، أكثر قلقاً حيال مستقبل الحلف ومظلته الأمنية.

على أنّ الأوروبيين يفكرون في ما هو أبعد من عودة ترامب، وشرعوا منذ الآن في التفكير بـ"استقلالية" عسكرية عن الولايات المتحدة. والسؤال الرئيسي الذي يواجهونه هو كيف سيوفرون مظلة نووية بديلة للمظلة النووية الأميركية في حال قرّر ترامب أو أي رئيس أميركي آخر سحب القوات الأميركية من أوروبا؟ والرؤوس النووية الفرنسية والبريطانية لا تشكّل عشر الرؤوس النووية التي تملكها روسيا.

قد يدفع الفراغ الأمني الأميركي بدول أوروبية إلى التفكير في الشروع بإنتاج أسلحتها النووية الخاصة بها. هذا سيخلق مزيداً من الدول النووية في العالم، ويخلق تالياً مناخات ربما لا يعود محرّماً فيها اللجوء إلى استخدام السلاح النووي.

في الذكرى الـ75 لتأسيس الناتو، ترتسم أسئلة كثيرة حول الدور المستقبلي للحلف، وهل سيبقى بشكله الحالي ركيزة للنظام الأمني في أوروبا؟ أم أنّ هذا الدور سيكون عرضة للنتائج التي ستستقر عليها الحرب الروسية- الأميركية، وخاضعاً لرؤية الرئيس الأميركي المقبل؟.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف