جريدة الجرائد

متغيرات العلاقات الأمريكية الفرنسية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تعود العلاقات التاريخية بين أمريكا وفرنسا إلى بداية تأسيس الدولة الأمريكية المستقلة عندما دعمت المملكة الفرنسية مع نهاية القرن السابع عشر، المتمردين الإنجليز من أجل تأسيس دولتهم المستقلة على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية والانفصال عن العرش البريطاني، وبقيت هذه العلاقة متأرجحة بين البرودة والدفء طوال عقود من الزمن إلى غاية الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما أسهمت القوات الأمريكية سنتي 1917 و1944 في دعم فرنسا للتخلص من الاحتلال الألماني.

ويرى المتابعون لمسار هذه العلاقات أن ما بات يميّزها يتعلق بالمتغيرات أكثر مما يرتبط بالثوابت التي يصعب تحديدها والاتفاق بشأنها نظراً للذهنية الأمريكية البراغماتية والمتعجرفة من جهة، وللشعور المعادي للهيمنة الأمريكية الذي نلفيه لدى النخب اليسارية واليمينية في فرنسا على حد سواء من جهة أخرى؛ وهذه الوضعية غير المريحة للفرنسيين في علاقتهم مع أمريكا هي التي حاول أن يبرزها رجيس دوبريه في كتابه الموسوم: &"حضارة، كيف أصبحنا أمريكيين&".

وتتحدث نيكول باشاران عن السنوات الأولى لاستقلال أمريكا وعن علاقة بنجامين فرانكلين برجالات البلاط في فرنسا وعن كيفية تطور العلاقات بين باريس وواشنطن، وبخاصة في شهر فبراير/ شباط سنة 1778، عندما تم التوقيع على اتفاق التحالف بين فرنسا والدولة الأمريكية الوليدة لمواجهة تهديدات العرش البريطاني. وجرى في الفترة نفسها بلورة صيغة الإعلان عن حقوق الإنسان والمواطن بين حيفرسون ولافييت، وهو الإعلان الذي تم نشره في أمريكا سنة 1776 وتأخر إصداره في فرنسا إلى غاية 1789 ؛ وهي السنة التي حدث فيها أول طلاق بين الدولتين بعد اندلاع الثورة الفرنسية ودخول فرنسا في موجة طويلة من العنف وانعدام الاستقرار، الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى الاقتراب مرة أخرى من &"أعدائهم&" السابقين في بريطانيا.

وتضيف نيكول أن توماس جيفيرسون الذي كان شغوفاً باللغة والثقافة الفرنسيتين، وبعدما أصيب بالصدمة بسبب الفظاعات التي ارتُكبت أثناء الثورة الفرنسية، أبدى انزعاجه من تحركات نابليون بونابرت، الذي كان يصفه ب&"الطاغية دون مبادئ&"، والتي كان يهدف من ورائها إلى السيطرة على ما يساوي ثلث أراضي الولايات المتحدة في المرحلة الحالية، لاسيما في البحيرات الكبرى وخليج المكسيك والمسيسبي، الأمر الذي كان سيؤدي إلى نشوب حرب بين الدولتين؛ بيد أن تحوّل أنظار بونابرت نحو أوروبا، جعله يتخلى عن اهتمامه بأمريكا ويقبل عرض جيفرسون له ببيع ميناء نيوأورليان مقابل 50 مليون فرنك والتخلي أيضاً عن لويزيانا، وهو ما أتاح لأمريكا مضاعفة مساحتها وإبعاد الخطر عن حدودها.

وأخذت العلاقات بين البلدين مساراً جديداً يعتمد على الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد انتصار واشنطن على الانفصاليين الداعمين للعبودية في الجنوب وتحوّل فرنسا إلى نظام جمهوري قائم على التداول السلمي على السلطة، وحرص الفرنسيون بعد مرور أكثر من 100 سنة من إقامة العلاقات مع أمريكا على التقرب من الأمريكيين بمنحهم هدية ذات دلالة رمزية تمثلت في تمثال الحرية الذي يشيد بقيم الحرية التي كانت تمثلها أمريكا في تلك المرحلة، قبل أن تتحوّل بعد نهاية الحرب الكونية الثانية إلى قوة مستبدة تسعى إلى السيطرة على العالم.

ويمكن القول إنه وعلى الرغم من تمسك أمريكا بمبادئ ويلسون الداعية إلى ابتعاد واشنطن عن صراعات أوروبا إلا أن الولايات المتحدة اضطرت إلى التدخل إلى جانب الحلفاء سنة 1917 عندما زار الجنرال الأمريكي بيرشينغ قبر لافييت ليخاطبه بقوله: &"لافييت، ها نحن هنا&"؛ أما بقية القصة وكل ما يتعلق بتفاصيل الحرب العالمية الثانية وتدخل الأمريكيين إلى جانب الحلفاء فإنها معروفة لدى الجميع؛ وقد قالت مادلين أولبرايت لزميلها أوبير فيدرين بشأن تدخلات بلادها في أوروبا &"لم نتحول إلى القوة الأولى في العالم إلا بسبب الآخرين، لم نكن نرغب في ذلك، لقد جئنا إلى أوروبا سنة 1917 بطلب من الحلفاء البريطانيين والفرنسيين، وعُدنا بسبب هتلر، وبقينا بسبب ستالين&".

وهكذا أصبح العالم أمريكياً منذ الحرب العالمية الثانية وبخاصة بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر سنة 1941، حيث عملت واشنطن على أمركة غرب أوروبا ثم كل أوروبا بعد سقوط حائط برلين، ولم تترك أي هامش لقيام علاقات ندية مع حلفائها وتحديداً مع فرنسا رغم حرص الرئيس الفرنسي ديغول على أن يحقق نوعاً من الاستقلال النسبي عن واشنطن من خلال تزويد قوات بلاده بالسلاح النووي وخروجه من القيادة العليا المشتركة لحلف الناتو.

ومن الواضح أن الفرنسيين يشعرون منذ غزو العراق وتهديد كولن باول لوزير الخارجية دمينيك دوفلبان بسبب رفض باريس اتباع سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، ومنذ قيام إدارة بايدن باستبعادهم من (تحالف أوكوس) الأنجلوساكسوني سنة 2021 ؛ أن العلاقات مع أمريكا لم تعد تحمل طابعاً استراتيجياً كما كان الوضع عليه قبل النصف الأول من القرن الماضي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف