هوليغنز كرة القدم السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
التعصب الكروي في المملكة وصل إلى مرحلة لا يمكن تصورها، فقد شاهدت في 28 أبريل من العام الجاري مقاطع لأشخاص يحلفون بالطلاق وبحلق شواربهم على نتيجة مباراة، بمعنى أنه لو خسر فريقهم فإنهم سيقومون بذلك، والأمر لا يتوقف عند العائلة ويمتد إلى زملائهم في العمل، فقد توصل استطلاع أجراه معهد الإدارة العامة السعودي في 2022 إلى أن 40 % من السعوديين يؤثر تعصبهم لأنديتهم على علاقاتهم بزملاء العمل، وقد يصل إلى حد الاعتداء اللفظي والاشتباك بالأيدي، وعندما هبط أهلي جدة في ذات العام إلى دوري الدرجة الأولى (يلو) واستنادا لكلام رئيس رابطته تمت الصلاة على 11 جنازة لمشجعيه، وفي دربي الرياض بين الهلال والنصر عام 2019، سجلت 90 حالة إسعافية، ما بين سكتات قلبية وحالات إغماء ودهس، وكان المشهد في المدرجات متوتر جداً، ولا يقف التعصب الكروي عند كرة القدم، ومن الشواهد، قتل مشجع بطعنه في صدره خلال مباراة أقيمت بين ناديين في كرة اليد، وفي كأس العالم 2018 قتل مشجع لبناني لأنه احتفل بتأهل البرازيل أمام المشجعين الألمان.
التعصب الرياضي ليس جديدا، ويعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديدا في 1892، أثناء مباراة في كرة القدم الأميركية بين جامعتين، وما ترتب عليها من شغب طلابي بمدرجات جامعة يوتاه المستضيفة، وأصيب فيه عشرات الطلاب من الجانبين، وفي 1904 وقع حدث تعصبي استثنائي في سباق دراجات فرنسا الهوائية الأشهر، المعروف بـ( تور دي فرانس)، عندما قام أبناء ضاحية (لورا) بالاعتداء على المتسابقين المتقدمين على ابن ضاحيتهم، حتى يتمكن من الفوز وهو ما حدث بالفعل، ولكن السباق ألغي بالكامل، واستبعدت المدينة من خارطة السباق، ولم تعد إليها إلا في 1950.
بخلاف كارثة (ليما) التي حدثت عام 1964 واقتحمت فيها الجماهير الغاضبة ملعب بيرو الوطني، ووصلت وفياتها إلى 300 شخص، ومعه الحادثة المؤلمة في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1985، بملعب (هيسل) في مدينة بروكسيل البلجيكية، والتي كانت بين ليفربول الإنجليزي ويوفنتوس الإيطالي، لكن وقبل بداية المباراة، قام المشجعون الإنجليز بالاعتداء على نظرائهم الإيطاليين، وذهب ضحية هذا الاشتباك 39 إيطالياً، وأوقف بسببه الإنجليز عن مجمل المسابقات الأوروبية، لمدة خمسة أعوام، وهؤلاء يعرفون بـ(الهوليغنز) ولديهم عقدة اضطهاد متجذرة، وإحساس متواصل بالمظلومية، وبالتالي فما يقومون به هو، من وجهة نظرهم، ردة فعل وليس فعلاً.
قوالب التعصب الكروي ليست واحدة، ومن الأمثلة، دربي أسكتلندا بين فريقي سيلتك ورينجرز، وعلاقته بالصراع بين البروتستانتية والكاثوليكية في بريطانيا، وحرب (المئة ساعة) بين هندوراس والسلفادور، بعد المباراة المؤهلة لكأس العالم والتي أقيمت بينهما في المكسيك، والأسباب في الأصل سياسية ومتراكمة، واستغلت المباراة لتعجيل توقيت الحرب لا أكثر، وجزء كبير من شعبية موسوليني، تم بناءً على استضافة إيطاليا لكأس العالم في 1934، ومن ثم الحصول عليها لأول مرة، ويضاف لما سبق خطاب التعصب العنصري ضد المسلمين والسود في الملاعب الأوروبية.
هيئة الإعلام المرئي والمسموع واتحاد الإعلام الرياضي، كلاهما مسؤول عن مشهد التعــــــــــصب المحتقن، في الملاعب السعودية وعلى منصات السوشال ميديا، وعن التصرفات المتجــــــــاوزة لأطـــــــرافه، وهم في هذه الحالة، الإعلاميون الرياضيون والإداريون ولاعبو الأندية، ومعهم الجماهير في المدرجات وخارجها، وبحسب ما توصلت إليه دراسة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، أجريت عام 2015، فإن 50 % من السعوديين يرجعون تعصبهم، إلى إساءة جماهير الفريق المنافس لفريقهم، و26 % يحيلون السبب إلى استضافة إعلاميين متحاملين على الأندية التي يشجعونها، و24 % رأوا أن التعصب سببه اختيار الحكام المنحازين لتحكيم مباريات فريقهم، واتفق 90 % على ضرورة إيقاف الإعلاميين المثيرين للتعصب بين الفرق الرياضية، واللافت أن 8 % لا يخرجون من بيوتهم في اليوم التالي لخسارة فريقهم، والمشاركون كانوا من كل مناطق المملكة، وتراوحت أعمارهم ما بين 16 عاماً و50 عاماً، ووصل عددهم إلى ألف و44 مشاركا من الجنسين.
لعل الأنسب - في رأيي- هو منع المشجعين المتعصبين من حضور المباريات بصفة مؤقتة أو دائمة لحمايتهم من الأضرار الصحية للتعصب، والتي قد تؤدي إلى رفع مستويات التوتر العاطفي، وضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، الذي يبقى مرتفعا لساعات بعد المباراة، وربما وصل لمستويات حرجة في المباريات الحاسمة، أو كما ورد في دراسة ألمانية نشرت عام 2022، إلى جانب المراقبة الكاملة للاستاد لضبط المخالفات في المدرجات وفي الدكة والملعب، ومعاقبة المتسببين فيها بشكل فردي، وإيقاف أو تغريم الإداريين واللاعبين والإعلاميين والبرامج الرياضية، إذا تسببت في زيادة جرعة التعصب، وأن غلفت بإثارة مصطنعة أو أعذار مفبركة، وعدم المبالغة في تقدير مشاهير اللاعبين، وتجاهل أخطائهم الواضحـــــة والفاضحـــــــة، لأن النتائج في الغالب ستكون عكسيــــــــة، ولن تكون في مصلحــــــة اللعبة وتطويرها.