تفسير جديد للدعم الأمريكي الضخم لأوكرانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ اندلاع الحرب الروسية ــ الأوكرانية في فبراير 2022، ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر داعم ومانح منفرد لأوكرانيا. فمنذ ذلك التاريخ أرسلت لها واشنطن ما يقرب من 113 مليار دولار في شكل أموال نقدية وإمدادات عسكرية ومعدات وآلات، بالإضافة إلى المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية الأخرى.
وقتها وإلى اليوم، ساد الاعتقاد لدى معظم المراقبين أن الخطوة الأمريكية لم تكن سوى عمل استراتيجي استهدف إرسال أكثر من رسالة إلى من يعنيهم الأمر، ومنها تجديد التزام واشنطن بأمن واستقرار دول أوروبا وحماية أنظمتها الديمقراطية الرأسمالية من أي استهداف خارجي، لاسيما من قبل روسيا الاتحادية. ومنها أيضاً أن أي مخططات محتملة لسيد الكرملين لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء بفرض السيادة والهيمنة الروسية على الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق أو الدول التي تمردت على أنظمتها الشيوعية والاشتراكية في شرق أوروبا سوف يواجه بعمل عسكري مضاد تدعمه واشنطن بكل حزم.
وفي الآونة الأخيرة، ومع استمرار وتفاقم الأعمال الحربية بين موسكو وكييف، وميلان الكفة العسكرية لصالح موسكو، لجأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى التحذير من أن أي تأخير في موافقة الكونغرس الأمريكي على إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لبلاده من شأنه أن تخسر أوكرانيا الحرب لصالح روسيا، خصوصاً وأن مماطلة الكونغرس في الموافقة على حزمة المساعدات الجديدة منح موسكو الفرصة لتعزيز ترسانتها العسكرية بشراء المزيد من الصواريخ والمسيرات، ولهذا سارع مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكيان إلى الموافقة بأغلبية ساحقة على حزمة مساعدات خارجية بقيمة 95.3 مليار دولار، كان لأوكرانيا نصيب الأسد منها بقيمة 61 مليار دولار. وبهذا وضع المجلسان حداً لخلافات مريرة استغرقت زمناً طويلاً، بين مجلس شيوخ يتحكم فيه الحزب الديمقراطي الحاكم ومجلس نواب يترأسه الحزب الجمهوري المعارض. حول حجم تلك المساعدات ووجهتها.
هذا التطور المتمثل في ضخ المزيد من المساعدات المليارية لأوكرانيا ومعها في الوقت نفسه مساعدات مليارية أقل لكل من تايوان وإسرائيل، جعلت بعض المراقبين، ومنهم تاتسيانا كولاكيفتش الأستاذة البارزة بجامعة جنوب كاليفورنيا، والمتخصصة في شؤون أوروبا الشرقية، يتبنون تفسيراً آخر لهذا الاندفاع الأمريكي في الإنفاق دون حدود على الحرب الأوكرانية،
وهو تفسير يتخطى التفسيرات التقليدية مثل حماية المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة، أو كسر شوكة روسيا الاتحادية منعاً لبروزها كقطب عالمي منافس، أو الدفاع عن القيم والمثل الغربية والأمريكية.
وبطبيعة الحال، لا تنفي كولاكيفتش التفسيرات التقليدية تلك لكنها تضيف إليها تفسيراً جديداً، تقول إنه غاب عن الكثيرين، وهو أن الإنخراط الأمريكي المتزايد في الصراع الروسي الأوكراني يستهدف أيضاً توجيه رسالة مبطنة إلى الصين مفادها أن قيام الأخيرة بأي عمل عسكري ضد تايوان ستضطر معه واشنطن وحلفاؤها الآسيويون للرد في صورة ضخ مساعدات عسكرية عاجلة بمليارات الدولارات للتايوانيين.
وبعبارة أخرى، ترى واشنطن أن دعمها لأوكرانيا ضد روسيا هو إحدى الوسائل الفعالة لردع الصين عن محاولات التمدد والهيمنة في جوارها الإقليمي، لاسيما ما يتعلق بتايوان. ويمكن القول في هذا السياق أن ما استفز الأمريكيين هو الإعلان الروسي ــ الصيني الصادر في التاسع من أبريل 2024 حول نية البلدين إيجاد سبل لتعزيز عملهما الأمني المشترك عبر آسيا وأوروبا. ولا ننسى هنا أن نتذكر ما قاله مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، في فبراير من العام الجاري من أن نقص أو تباطؤ المساعدات الأمريكية لأوكرانيا سيؤدي إلى انتصار روسيا في الحرب وقد يؤدي إلى تهديد موسكو لدول الناتو المجاورة، فتخسر الولايات المتحدة أوروبا التي هي عنصر ذو أهمية استراتيجية قصوى للأمريكيين في تنافسهم مع الصينيين.
ولا ننسى في السياق نفسه ما قاله الأدميرال البحري الأمريكي، صاموئيل بابارو في فبراير 2024، من أن مواصلة تمويلنا للحرب في أوكرانيا ضروري لهزيمة روسيا والتي تمثل رادعاً في غرب المحيط الهاديء وتطمئن شركائنا بشكل مباشر.