جريدة الجرائد

تداعيات الهموم الموسيقية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هل يمكن أن يحسب الموسيقيون أن هذا الكلام مجرّد &"ثرثرة هموم موسيقية&"؟ لكن الحقيقة هي أن المشتغلين بالموسيقى العربية، نسبة ضئيلة منهم لا تأخذ الفن على محمل الثرثرة والهزل. أيّ صوت متميز، له مساحة جيّدة وأداء سليم، يعزّز مناعته الفنية بلا هوادة، بالمخزون المقامي الحصين الركين، من الموشحات والأدوار إلى الكلثوميات القصبجية، السنباطية، الزكريائية، البليغية، وروائع سيد درويش، محمد عبد الوهاب، والقائمة طويلة.

لا تنطلينّ عليكم الترهات التي تُغوي عقولكم، يا من تصدّقون أن عدد اللايكات هو الميزان المبين في الفن. غداً ينتهي مفعول هذه المُهلوِسات، وتبدو لكم سوءاتكم، ولات حين مناص، وهيهات الخلاص. لا تخدعنّكم المقارنات الواهيات. لقد افترى على الفن من قال: إن الموسيقى الغربية انحدرت من مدرسة فيينّا الأولى (باخ، موتزارت، بيتهوفن) إلى مايكل جاكسون وإيمنيم، فالعرب لم يخرقوا قوانين فيزياء التدهور، حين هبطوا في سقوط حرّ من علياء &"سلوا كؤوس الطلى&" و&"رباعيات الخيام&" إلى &"ركّبني المرجيحة&".

تلك أكذوبة يعجز عن مثلها عرقوب. أوّلاً، لأن مايكل امتداد للبلوز، الجاز، الروك، البوب وعند الراب، ضربت تلك السلالة الموسيقية رأسها في الحائط. تخيل أن يجرّك هؤلاء إلى عبث مقارنة الكونشرتو الأوّل لتشايكوفسكي، بأغاني الراب، يعني أنها كلها موسيقى. القلم يشبّه ذلك المشهد الهبوطي بما حدث للشعر العربي: من ستة عشر إيقاعاً، صارت ستة، ثم ركلوا الستة إلى حيث ألقت، ورفعوا قصيدة النثر الحداثوية إلى سدّة الشعر. يعني كله شعر. الخلطة السرية التنظيرية هي: ما لا تستطيع إقناع المتلقي به، اتّهِمْه فيه بعدم الفهم وضحالة الإدراك. ثانياً، لأنه لم يسبق للموسيقى السيمفونية أن انتشرت في الجهات الأربع مثلما هي اليوم. ثالثاً، لأن &"موسيقى العصر الجديد&" أنجبت وريثات لا تُحصى للموسيقى السيمفونية.

لك أن تسأل: ما الذي جعل الموسيقى العربية صرحاً من خيال قد هوى؟ الجواب الحكيم: كيف يمكن وضع حدّ لهذا التدهور، وإعادة النهوض بهذا الفن؟ الحل سبقتنا به الصين. لديها خمسون مليون طفل يدرسون البيانو. لن تستطيع أيّ قوة هدّامة للذوق أن تنال من الفن الصيني مستقبلاً. تلك حصون من المناعة المكتسبة، وقلاع من المضادات الحيوية، فما على الفيروسات إلاّ أن تغرب. في العقد الثاني من القرن العشرين، أمر سعد زغلول بإجبارية الموسيقى في المدارس. أين الأمر؟ ماذا لو فعلها العرب جميعاً؟ كنا اليوم لنا أشكال موسيقية ومراكز علوم موسيقية، وجرار عسل من الأحلام الذوقيّة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكية: من الحكمة التفكير في محو الأمية، قبل محو الأمية الموسيقية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف