جريدة الجرائد

تركيا واليونان.. زيارات «تليين» الخلافات !

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أثناء زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى أنقرة مطلع الأسبوع الجاري، تحدث والرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أنه &"ليس هناك من مشكلة ليس لها حل&". ميتسوتاكيس زار تركيا كرئيس للوزراء أربع مرات خلال الأشهر التسعة الأخيرة. حتى بين الدول الصديقة يعتبر هذا الرقم عالياً. وآخر زيارة لأردوغان إلى أثينا كانت خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، أي قبل خمسة أشهر فقط.

لكن كل هذا الحراك بين تركيا واليونان وكل هذه الاتفاقيات التي تُوقّع تمس بعضاً من القضايا الثنائية العادية مثل التجارة وتسهيلات الدخول وبعض المناحي الثقافية. وليس هناك من أمر جوهري تم الاتفاق عليه.

منذ مئة سنة، أي منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، تواجه العلاقات التركية &- اليونانية بعض المشكلات التي لا مثيل لها بين بلدين في العالم، والتي تختلط فيها الأبعاد التاريخية بالجغرافية والعرقية والدينية والحضارية والهوية.

ووصل البلدان إلى تلك السنة وقد خاضا معارك طاحنة نتيجة احتلال الجيش اليوناني في العام 1919 أجزاء من الساحل التركي الغربي ولا سيما إزمير. ولم يخرج البلدان منها سوى بمعارك عسكرية ضارية قادها من الجانب التركي مصطفى كمال أتاتورك خصوصاً في العام 1922. بل يحتفل الأتراك بعيد النصر في 30 آب / أغسطس من كل عام وهو تاريخ معركة &"دوملوبينار&" بين الجيشين التركي واليوناني بولاية كوتاهية واندحار اليونانيين والذي فتح أمام تحرير إزمير بعد ذلك بعشرة أيام في التاسع من أيلول / سبتمبر.

بموجب معاهدة لوزان في 24 تموز/يوليو عام 1923 وضع الجانبان التركي &- اليوناني أسس تطبيع العلاقات بين البلدين وفي رأسها التبادل السكاني بين الأتراك في اليونان واليونانيين في تركيا بحيث تعود غالبية هؤلاء كل إلى موطنها الأم.

اتفاق لوزان وضع أسساً لحل بعض القضايا، لكنه كان يفتح الباب أمام قضايا من النوع الذي &"لا حلّ له&". وأكبر دليل على ذلك أنه بعد مئة عام لم تحل القضايا الأساسية التي ظهرت لاحقاً وهي من النوع الذي يحتاج إلى معجزة تاريخية وجغرافية ونفسية لكي يحل.

زيارة ميتسوتاكيس هي من النوع الذي يمكن تسميته بتليين الأجواء؛ بل حتى تقطيع الوقت. قضايا الخلاف عمرها من عمر تاريخ كل قضية.

أولها الخلاف على الحدود الإقليمية البحرية حيث تتناثر في بحر إيجة آلاف الجزر الكبيرة والصغيرة وتلك التي هي عبارة عن بعض الصخور النافرة فوق الماء، حتى إذا علا مستوى سطح المياه اختفت عن الأعين. وأنقرة ترفض مقولة امتداد الحدود البحرية لمدة 12 ميلاً.

المشكلة الثانية أن هناك اثنتي عشرة جزيرة أُعطيت لليونان على مراحل منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى وإلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مقابل أن تبقى منزوعة السلاح حيث هي على بعد رمية حجر من الساحل التركي. وأنقرة تتهم أثينا في السنوات الأخيرة بأنها تنتهك اتفاقية لوزان بمنع تسليح هذه الجزر. وثالثة القضايا تتصل بالجرف القاري والخلاف عليه. ورابعها يتصل تلقائياً بالمجال الجوي المختلف عليه.

وخامسها اتهام أنقرة لليونان بأنها تنتهك اتفاقية لوزان بترك الحرية لمسلمي تراقيا الغربية التابعة لليونان اختيار ممثليهم الدينيين بحُريّة، كما يتهم أتراك تراقيا الغربية الحكومة اليونانية بالتمييز ضدهم وإهمال مناطقهم والتضييق بل منعهم من التعبير عن هويتهم الثقافية بحرية.

أما سادسة هذه المشكلات فهي القضية القبرصية، حيث إن تركيا واليونان اتفقتا عامي 1959 و1960 مع بريطانيا على منح جزيرة قبرص استقلالها ولا تكون تابعة لا لتركيا ولا لليونان. لكن القبارصة الأتراك واليونانيين اختلفوا فيما بينهم لأسباب عرقية ودينية، وهو الأمر الذي دفع القوات التركية لغزو الجزيرة عام 1974. ومنذ ذلك الوقت والجزيرة مقسمة. اليونان تقول إن كل الجزيرة تتبع الحكومة القبرصية المعترف بها في الأمم المتحدة وتسيطر عليها الأكثرية اليونانية، فيما تدعو تركيا إلى حل للجزيرة على أساس اتحاد بين دولتين مستقلتين.

أما آخر وأخطر المشكلات المستجدة بين تركيا واليونان فهو الخلاف على حدود المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين في البحر لكل منهما. اليونان تريد تطبيق اتفاقية العام 1982 الدولية حول أعالي البحار والتي تعطي اليونان مناطق بحرية واسعة وتعطي تركيا منطقة صغيرة ليس إلا. أما تركيا فترسم حدود ما يسمى ب &"الوطن الأزرق&" بحيث يعطيها مساحات بحرية شاسعة. وأهمية الترسيم البحري كبيرة لأنه يعني احتمال اكتشاف آبار إضافية للنفط والغاز الطبيعي ضمن حدود هذه المنطقة. ويكاد الخلاف على هذه الحدود البحرية الاقتصادية يشعل فتيل الحرب بين البلدين.

وإلى هذه الخلافات الرئيسية توجد الخلافات على كثير من القضايا الأقل أهمية لينطبق على واقع العلاقات بين الدولتين شعار &"ليس هناك من قضية بين البلدين وجدت لها حلاً&".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف