جريدة الجرائد

الإمارات بين الفضاء الآسيوي والعولمة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

شهدت العاصمة الصينية بكين يوم الأربعاء 29 مايو/ أيار الماضي، انعقاد اجتماع الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي-الصيني المصادف للذكرى ال40 للعلاقات الإماراتية-الصينية، بمشاركة متميزة من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وذلك في سياق جولة آسيوية قادته إلى كوريا الجنوبية والصين؛ وهما دولتان تمثلان ثقلاً جيوسياسياً واقتصادياً كبيراً في العالم، حيث تعتبر الأولى قاعدة متطورة للتكنولوجيا والحليف الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية في شرق آسيا إلى جانب اليابان، بينما تشكّل الصين قطباً عالمياً في الاقتصاد، إضافة إلى كونها أبرز منافس لأمريكا. وعليه فإن بناء علاقة وطيدة مع كل من كوريا الجنوبية والصين هو استثمار ودعم لتحوّل مركز الثقل العالمي من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها، وهو في اللحظة نفسها خيار استراتيجي يهدف إلى المحافظة على علاقة متوازنة بين الصين زعيمة الشرق وسيؤول، بوصفها المنصة المتقدمة للنفوذ الأمريكي في المنطقة.

ويمكن القول إن زيارة الدول وتسيير العلاقات معها ليسا مسألة بروتوكولية فقط بقدر ما تمثل فعلاً استشرافياً، يهدف إلى إدارة العلاقات الثنائية مع الدول بناءً على رؤية استراتيجية بعيدة المدى، من أجل الابتعاد عن الآني والاستعجالي في توطيد الروابط مع القوى والدول المؤثرة في المشهد الدولي. كما أن هذا الاستثمار في العلاقات مع الشركاء الاقتصاديين البارزين للإمارات هو بمنزلة ترسيخ للاستثمار المحلي الذي انطلق منذ تأسيس الدولة في بداية السبعينات من القرن الماضي، من منطلق أن الاستثمار بشقيه المحلي والدولي يدعم الرؤية المستقبلية للدولة، الأمر الذي يؤكده فليب دروز-فانسان عندما يشير إلى تأسيس سلطة أبوظبي للاستثمار في مارس سنة 1976 التي تعتبر من صناديق الاستثمار الأكثر أهمية في العالم.

وبالتالي فليس من باب الصدفة أن تتحدث العديد من المصادر الدولية عن القفزة التي حققتها الإمارات في مختلف المجالات، فقد أشار موقع وزارة الخارجية الفرنسية إلى احتلال الإمارات سنة 2021 لمرتبة متميزة في مجال التنمية البشرية، ويقول الموقع إنها استطاعت خلال 53 عاماً أن تؤسّس دولة مزدهرة ومتطورة، واحتضنت معارض ومؤتمرات عالمية كان آخرها إكسبو دبي الذي اختتم في مارس/ آذار 2022 والذي شهد حضور أكثر من 24 مليون زائر على الرغم من تزامنه مع جائحة كورونا، ومؤتمر البيئة العالمي &"كوب 28&" الذي انعقد نهاية سنة 2023 بمشاركة دولية لافتة، وأصدر قرارات هدفت إلى دعم الدول الفقيرة، من أجل مواجهة آثار التغيّرات المناخية.

ويضيف الموقع الفرنسي في السياق نفسه، أن الهدف الأول للإمارات العربية المتحدة يتمثل من الآن فصاعداً في مواصلة تنويع الشراكات، الزيارتان الأخيرتان لكل من كوريا الجنوبية والصين تندرجان في هذا السياق، مع رفض كل شكل من أشكال المنطق القائم على الانحياز لمحور من المحاور، ويقول الموقع أيضاً إن الصين تتموقع بوصفها شريك المستقبل بالنسبة للإمارات من منطلق كونها المتعامل التجاري والاقتصادي الأول للدولة، ولكن دون أن يؤدي بها الأمر إلى وضع كل بيض شراكاتها في سلة الصين، ومن ثم فإن محطة سيؤول، في مسار الزيارتين الأخيرتين، هو أفضل تعبير عن هذا الخيار الجيوستراتيجي المتوازن في علاقاتها الدولية.

ويرى المراقبون أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات استطاعت أن تحقق العديد من الإنجازات طوال أكثر من 5 عقود. ويقول فليب دروز- فانسان: إن الإمارات شجعت على إقامة مجلس التعاون الخليجي سنة 1981، ويتذكر جميع مواطني الخليج العربي، أن ميثاق المجلس جرى توقيعه في العاصمة أبوظبي، وكان لها موقف متوازن خلال الحرب العراقية الإيرانية من سنة 1980 إلى سنة 1988، وأخذت موقفاً حازماً ضد الغزو العراقي للكويت سنة 1991، ولعبت أيضاً دوراً نشطاً من أجل تحرير الأراضي الكويتية. ويخلص فانسان إلى أن الإمارات المنخرطة في سباق التحديث هي الآن بمنزلة دولة مؤثرة في الساحة الدولية، وملاذاً للنمو الاقتصادي في محيط إقليمي مضطرب.

وراهنت الإمارات في السياق نفسه على خيار العولمة، واستطاعت أن تكوِّن اقتصاداً نشطاً وانضمت إلى المنظمة العالمية للتجارة سنة 1996، وتعتبر إمارة دبي رائدة في مجال الأعمال والمبادرات الاقتصادية، وتوفّر الإمارات، بشهادة الخبراء الدوليين، فضاءً وبيئة اقتصادية معولمة، وانفتاحاً يخدم اقتصاديات كل جيرانها، ومن ثم فقد استطاعت حواضر الدولة الكبرى أن تكون في مقدمة المشهد والحركية الاقتصادية العالمية، متجاوزة بذلك التبعية لعائدات النفط وجاعلة من الإمارات، كما يقول فانسان، منصةً جاذبة تتوسط أوروبا وآسيا.

نستطيع أن نخلص في الأخير إلى أن هذه الجولة الآسيوية للمسؤول الأول في دولة الإمارات، تمثل من جهة أولى رسالة واضحة الدلالة بشأن رهان القيادة السياسية للدولة على توجّهها الحضاري نحو الشرق الذي بات يرمز إلى العراقة والانفتاح على المستقبل، وتؤكِّد من جهة ثانية أن النخبة السياسية للدولة تعمل على تعزيز وترسيخ مكاسب الإمارات بوصفها أكثر دول الشرق الأوسط تجاوباً مع متطلبات العولمة الاقتصادية، وأكثرها انفتاحاً على التحوّلات التكنولوجية التي يعرفها العالم في مختلف المجالات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف