جريدة الجرائد

الاغتيال المعنوي للمثقف

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا أعتقد أنه مر على أي مثقف -عبر التاريخ- ما مر به المثقف العربي من أزمات ثقافية لا تتعلق بالخطاب النقدي الذي يشكّل جزءاً من الواقع الثقافي فحسب، بل تستهدف إطفاء جذوة أي فكرة غير مستساغة شعبوياً في عقل المفكر، وحرف مسار أي نهج لمفكر تنويري أو أديب روائي أو كاتب مؤرخ بمحاولات شل قلمه واغتياله معنوياً وهدم نتاجه الأدبي والفكري وتشويه معتقداته وشيطنة أفكاره، وصناعة النفور الاجتماعي لكل ما يتعلق بالفكر والثقافة وبالتالي اغتيال أي فكر ثقافي لا ينسجم والأيديولوجيات السائدة في المجتمعات العربية القديمة والمعاصرة وخصوصاً المتطرفة فكرياً، كالفكر الإسلاموي الإخواني المعاصر.

أزمة المثقف والمفكر العربي ليست جديدة، فالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي، وابن رشد وابن خلدون.. وغيرهم من علماء ومفكرين صنعوا هذه الحضارة في العصور الوسطى، وكانت وسيلتهم في ذلك الكتاب كوثيقة إنسانية، واجهوا اغتيالات، معنوية كانت أم فعلية، بسبب أفكارهم ونتاجهم العلمي الذي لا يتسق وضيق العقول لمن حاربوهم وحرّضوا الغوغاء لتحييدهم وشيطنة أفكارهم. وكذلك هو الحال في المجتمعات الأوروبية حين انبثق عصر التنوير خلال القرن الثامن عشر عن حركة فكرية علمية معروفة باسم حركة &"النهضة الإنسانية&" التي حملت مجموعةً من الأفكار تركز على سيادة العقل والأدلة العقلية والتجريبية بوصفها مصدراً أساسياً للمعرفة، وعلى المثل العليا كالحرية والرقي والتسامح والإخاء وفصل الكنيسة عن الدولة.. وكلها أفكار كانت تُعَد دخيلةً على أوروبا آنذاك.

قبل 31 عاماً كان معرض الكتاب في القاهرة يشهد على هامشه أشهر مناظرة في تاريخه حملت عنوان &"مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية&"، بحضورٍ تجاوز 30 ألف شخص انقسموا فيها إلى فريقين؛ الأول إسلامي على رأسه الشيخ محمد الغزالي ومحمد عمارة ومرشد &"الإخوان&" مأمون الهضيبي، وفريق ضم المفكر الراحل فرج فودة والأستاذ محمد خلف الله (أحد أعضاء حزب التجمع). تفوّق فودة في خطابه الرصين ووجّه بعض الكلمات المؤثرة مثل جملته: &"الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا، ثم تخرجوا ورؤوسكم فوق أعناقكم، لكن دولاً دينية قطعت أعناق من يعارضونها&". وبعد أشهر من التحريض الذي وصلت ذروتَه بصدور بيان يُكفِّر فرج فودة، نشرته جريدة &"النور&"، حيث قال وجدي غنيم حينها: &"قتلُه هو الحل&". وبالفعل تم اغتيال فودة جسدياً. وأثناء التحقيق في مقتله قال عبدالشافي رمضان (أحد القتلة) إنه قتل فرج فودة بسبب فتوى الدكتور عمر عبدالرحمن مفتي &"الجماعة الإسلامية&"، الصادرة عنه عام 1986، بقتل المرتد. فلما سئل من أي كتبه عرف أنه مرتد، أجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب!

هكذا تؤثر التعبئةُ المفرطة والحشد الوحشي المتطرف البغيض ضد الفكرة، وهكذا تعم الفوضى في المجتمعات العربية لمجرد تحريكها بفكرة المخاطر المحدقة بالدين وشيطنة الأفكار وتشويهها، كونها مجرد أفكار في رؤوس أصحابها، تتحول إلى واقع يلغي مكتسباتهم التي يحظون بها عبر المتاجرة بالدين وتخدير المجتمعات، ومحاربة الخصوم برصاص البهتان أو الرصاص الحي إن لزم الأمر. هذا هو الفكر الإخواني، وهذه ممارسته منذ الأزل، فاغتيال الفكر أحد أدواتهم للتمكين السياسي، والإرهاب نهجهم لتحقيق أهدافهم. واغتيال الثقافة والمثقف العربي صناعة إسلاموية إخوانية لا لبس فيها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
موضوع مهم
من الشرق الأوسط -

شكرا لكتابتك عن هذا الموضوع المهم وعن الشهيد فرج فودة الذي كان كل الإسلاميين بأزهريهم واخوانيهم وغيرهم وحتى المسلم العادي الكلاسيكي، لهم مسؤولون عن قتله وسوف يحاسبون عنه امام الله.ولكن العلماء السلمين الذين ذكرتهم "فالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي، وابن رشد وابن خلدون" هؤلاء ليسوا عربا، فالرجاء ا تكتبوا بحيادية.واما قولك ان علماء عصر النهضة في اوروبا عانوا مثل ما عانى هؤلاء، فهو غير حقيقي، لأن درجة المعاناة كانت اقل، وايضا ان الناس العاديين التفوا حول الفكر التنويري بسرعة بينما في المجتمعات المسلمة ما زلنا بنفس درجة الجهل الذي كان فيه مجتمعنا قبل قرون وقرون، وربما اسوأ.والأسباب كثيرة، واهمها ان اصل الإسلام نفسه، في اسس الإسلام توجد شراع لا تقبل التفكير ولا تتبع المنطق...الإسلام هو دين النص لا جين العقل والتفكير، هو دين الترهيب، بقتل "المرتد" و"الكافر" وغيرهم، وهذه الأحكام هي من صلب الإسلام وليست دخيلة عليه...اذن المصيبة هي اسس الدين نفسه, وهذا هو السبب الذي لا تتطور المجتمعات الإسلامية ابدا مهما مر الزمن ومهما تطورت الدنيا حولها.