الإمارات.. وفرص الشراكات الآسيوية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منذ تأسيسها في عام 1971، اختارت دولة الإمارات العربية المتحدة الانفتاح على محيطيها الإقليمي والدولي، والانخراط بشكل فاعل في إرساء علاقات وشراكات مبنية على الحوار والتعاون وتعزيز السلم والأمن الدوليين، والمساهمة في بناء علاقات دولية بحس إنساني وحضاري.
تنوعت شراكات دولة الإمارات العربية في عدة دوائر عربية وإسلامية وإفريقية وآسيوية وغربية، مع الحرص على نسج علاقات متوازنة مع القوى الدولية الكبرى، وعدد من القوى الصاعدة. وقد سمح هذا التنوع الذي هو سمة ثابتة في العلاقات الخارجية للدولة بتبوّؤ هذه الأخيرة لمكانة عالمية وإقليمية يطبعها الانفتاح على المحيط وعلى المستقبل، والتعايش بين الحضارات، وتقديم صورة مشرقة للبلدان العربية والإسلامية تمزج بين الأصالة والحداثة.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة،حفظه الله، إلى كل من جمهوريتي كوريا الجنوبية والصين الشعبية ضمن وفد حكومي وازن، يعكس أهمية الزيارتين والرهانات الكبرى التي ستتيحها بالنسبة لمستقبل العلاقات بين الطرفين (دولة الإمارات العربية المتحدة من جهة، وكوريا الجنوبية والصين من جهة أخرى).
تنطوي هذه الزيارة على قدر كبير من الأهمية بالنظر إلى الانفتاح على التجربة الكورية الجنوبية، وما تنطوي عليه من مكتسبات، استطاع معها هذا البلد أن يحقق مؤشرات تطور مهمة في المجال الصناعي والتكنولوجي والتعليمي. وهي تتركز (الزيارة) في تحقيق مجموعة من الأولويات تتعلق بتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، والتي انطلقت قبل ما يناهز نصف قرن وشملت عدداً من المجالات الحيوية كالاقتصاد والتجارة والثقافة، والدفاع والأمن الغذائي والأمن الرقمي والصحة بالنظر إلى الإمكانات التي تستأثر بها كوريا الجنوبية في هذا المجال.
وجدير بالذكر أن العلاقات بين الجانبين شهدت تطورات ملحوظة خلال العقدين الأخيرين، وبخاصة على المستويات التجارية والاستثمار والتكنولوجيا الحديثة، والطاقة حيث يشكل مشروع &"براكة&" للطاقة النووية أحد المشاريع الكبرى التي ستوفر لدولة الإمارات بنيات تحتية كبرى، تعزز قدراتها في مجال الطاقة النظيفة، وتمكنها من سدّ نحو 25 في المائة من حاجياتها المستقبلية في هذا الشأن.
وتشير التقارير الإحصائية إلى أن دولة الإمارات أضحت ثاني أكبر مزود لكوريا الجنوبية بالنفط، وبمثابة الشريك التجاري الثاني عربياً لهذا البلد الآسيوي الذي تحول من بلد فقير إلى عملاق اقتصادي عالمي، وتعززت مع انطلاق الحوار الاستراتيجي الأول بين وزارتي الخارجية بالبلدين قبل سنة (يونيو/حزيران 2023).
وعلاوة عن القضايا الوطنية التي تهم مستقبل التنمية المستدامة التي يتقاسم البلدان بصددها تجربة حديثة ومتميزة، سعى قائدا البلدين إلى التباحث حول مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة.
أما الزيارة الثانية لجمهورية الصين الشعبية، فهي تنطوي بدورها على قدر كبير من الأهمية، بالنظر إلى كونها تترجم توجّه دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تعزيز علاقاتها مع إحدى القوى الدولية الكبرى التي تحظى بمقعد دائم بمجلس الأمن، والمرشحة للعب مزيد من الأدوار الاستراتيجية في عالم متغير. كما أن البلدين معاً يقدمان تجربة حضارية توازن بين الخصوصية، بما تنطوي عليه من تقاليد وقيم متأصلة في عمق المجتمع من جهة أولى، وانفتاح على التطورات العالمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية.. من جهة ثانية.
تمتد العلاقات الإماراتية &- الصينية لأكثر من أربعة عقود، وكان للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تغمده الله برحمته أثر كبير في تعميقها من خلال رؤية استشرافية كانت تعي منذئذ أهمية الانفتاح على قطب دولي وازن، واستطاع قيادة الإمارات فيما بعد تحقيق مجموعة من المكتسبات الداخلية والخارجية التي مكنته اليوم من الاستئثار بمكانة اقتصادية واستراتيجية على المستوى العالمي، حيث تعززت بالزيارات المنتظمة المتبادلة بين مسؤولي البلدين.
وتمثل هذه الزيارة مناسبة لتعميق أكبر للشراكة الإماراتية &- الصينية، وبخاصة أن البلدين معاً حققا طفرة اقتصادية مهمة خلال العقود الأخيرة، حيث أصبحت دولة الإمارات بمثابة الشريك الاقتصادي الأول للصين على مستوى الشرق الأوسط.
لا شك أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لبلدين لهما وزنهما على الساحة الدولية، ستسهم بشكل كبير في تعميق الشراكات الإماراتية وتنويعها، بما يعزز مكانة دولة الإمارات كقطب إقليمي وازن في محيط لا يخلو من التحديات، كما أنها ستنعكس حتماً على مستوى تعزيز السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصاً وأن السياسة الخارجية للدول الثلاث (دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهوريتي الصين الشعبية وكوريا الجنوبية) تقوم في جزء كبير منها على ترسيخ التعايش، والسلام والأمن، ونبذ التطرف والإرهاب واحترام سيادة الدول.