التعاطف العقلاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أصبح الإنسان الفلسطيني نموذجًا للإنسان المقهور قهرًا مزمنًا، نتعاطف مع قضيته العادلة واستحقاقاته المؤجلة، لكن التعاطف بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. نرى اليوم منشورات التعاطف مثبتة في حسابات كثير من المؤثرين والمثقفين لدينا، هم أنفسهم الذين لا تجد لديهم منشورًا واحدًا يتعاطف مع شهدائنا في حرب اليمن أو مع جنودنا المرابطين الآن على أبواب منازلنا وحرمنا وحدودنا، مما يطرح السؤال.. هل التعاطف مع فلسطين 7 أكتوبر هو نتاج وعي وفهم لأبعاد القضية الفلسطينية وتاريخها ودور بلادنا التاريخي في دعمها أم هو مشهد جديد من مشاهد الاختطاف الفكري يبشر بعودة الإسلام السياسي من بوابة فلسطين هذه المرة؟!. فلاش باك.. في العام 2020 صدرت بيانات متعددة كان أشهرها بيان هيئة كبار العلماء في السعودية تحذر من جماعة الإخوان المسلمين وتحذر من &"التعاطف&" معها. ولا بد أن المتابع لإعلام الإخوان في ذلك الوقت لاحظ كمية الهجوم والتحليلات التي تناولت مسألة &"التعاطف&" تحديدًا و محاولة تصويرها على أنها مجرد عاطفة إنسانية أو على الأكثر هي مسألة رأي شخصي. نعلم ويعلمون أن التعاطف في القضايا السياسية هو &"موقف سياسي&" لا بل هو الموقف الأسرع انتشارا والمحرك الأقوى للوعي الجمعي. في كتابه (Against Empathy) &"ضد التعاطف&" يطرح عالم النفس، بول بلوم، مسألة التعاطف العقلاني، وكما يوحي عنوان الكتاب فإن بلوم يرافع ضد التعاطف كقوة خيرية أصيلة، ويميل إلى تفسير ماهية التعاطف وتحديد كيفية عمله في أدمغتنا، وكيف يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير أخلاقية على الرغم من حسن نوايانا، كما يشرح كيف يمكننا تعزيز ذكائنا وتعاطفنا وضبط أنفسنا وتفكيرنا المنطقي، حتى نتأكد أننا نفهم تمامًا ما نتعاطف معه. بالعودة لمحتوى التعاطف مع أزمة الفلسطينيين على السوشيال ميديا نجده متنوعًا بين صور وأدعية، وبين دعوات للمقاطعة الاقتصادية واتخاذ مواقف فردية، وبين تعليقات مليئة بجلد الذات وتأنيب الناس على الفرح والاستقرار والازدهار. هذا تيار فكري كامل يتشكل، ويعيد للذاكرة حقبة الثمانينيات التي بدأ فيها الأمر بسريان عواطف شبيهة بهذه لم نتنبه لضبطها. ختامًا.. بينما تبذل السعودية جهودًا نزيهة للدفع بقضية فلسطين لصدارة اهتمامات العالم، وتقدم المبادرات والدعم في كل المحافل والمجالات وتصدر البيانات الواضحة المؤيدة للحق الفلسطيني، يحاول المتاجرون تمرير أجندات حزبية وطائفية ولا ينقصهم سوى تعبئة عاطفية للشارع، وهذا ثغر علينا نحن كمجتمع أن نكون عليه سدًا منيعًا.