«النورماندي» ووحدة الغرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
احتشاد أبرز قادة الغرب لمناسبة إحياء الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي على ساحل فرنسا الشمالي الغربي لا يخلو من أسئلة ودلالات تتعلق بالماضي والحاضر، بقدر ما يطرح أيضاً تحديات جمة أمام حلفاء الأمس الذين تفرقت بهم السبل، وسط شكوك متزايدة حول مسار العلاقات بين ضفتي الأطلسي.
في السادس من يونيو/حزيران 1944، نفذ الحلفاء أكبر إنزال في التاريخ على ساحل النورماندي سرعان ما تحول إلى مفتاح هزيمة ألمانيا وتحرير أوروبا من قبضة الإحلال الألماني. لكن هذه الصورة لم تكن لتكتمل بمعزل عن الجبهة السوفييتية الألمانية؛ حيث كان الجيش الألماني يتعرض لسلسلة هزائم متتالية رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الاتحاد السوفييتي آنذاك مع سقوط نحو 27 مليون قتيل.
اليوم يحتشد القادة الغربيون برفقة الرئيس الأوكراني زيلينسكي في النورماندي بدلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بذريعة الحرب في أوكرانيا، وهو استبعاد لم يكن مفاجئاً، حيث كان اهتمام هؤلاء القادة ينصّب على إظهار الوحدة الغربية في مواجهة روسيا. ومع أن هذا التغييب المتعمد للدور الروسي (السوفييتي السابق) في الانتصار على النازية، لن يلغي التاريخ، ولا الحقائق الجيوسياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، فإنه يفصح عن فضيحة أخلاقية، ويطرح أسئلة حول حقيقة وحدة الغرب ومستقبل القارة الأوروبية والتحديات التي تواجهها، بعد ثمانية عقود على ذلك الإنزال.
لا أحد ينكر أن هناك أزمة في أوكرانيا لها تداعيات عالمية، لكن جوهر هذه الأزمة يتعلق أساساً بالأمن القومي الروسي والمصالح الحيوية لروسيا، التي تم تجاهلها عن عمد بهدف توريط روسيا وإضعافها في مواجهة الغرب. واستدراكاً لم يعمل أحد بجدية على إيجاد تسوية سياسية للحرب الأوكرانية، تأخذ في الاعتبار مصالح كل الأطراف، ما جعل المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات، وبات التصعيد يواجه بالتصعيد، حتى سمح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بأسلحة أمريكية وغربية، وهو أمر خطر قد يضع العمق الأوروبي والغربي في مرمى الاستهداف الروسي.
السؤال الجوهري هو ما إذا كان احتشاد الغرب في النورماندي يعكس وحدة حقيقية، أم أن هذه الوحدة الشكلية لا تعكس واقع الانقسام الأوروبي والحسابات المتضاربة في القارة العجوز، أو حقيقة العلاقات القائمة بين ضفتي الأطلسي، والتي لا تزال ترزح تحت عبء الخلافات السياسية والاقتصادية والهيمنة الأمريكية على الفضاء الأوروبي.
من المشكوك فيه أن يحل احتشاد استعراضي كل هذه الخلافات، وما يزيد هذه الشكوك أن وحدة الغرب تظل أسيرة المخاوف من المتغيرات المحتملة، كعودة ترامب مثلاً إلى البيت الأبيض، أو صعود اليمين الأوروبي المتطرف إلى السلطة.
ما هو مؤكد حتى الآن أن الغرب بحاجة إلى التعامل مع التحديات الكبرى من منظور مختلف يقوم على قاعدة تقاسم الأمن واحترام مصالح كل الأطراف التي تحالفت يوماً ضد النازية، حتى لا يتحول إنزال النورماندي إلى مجرد ذكرى عابرة في صفحات التاريخ.