"الممانعة" تُسوّد أنصع صفحات لبنان بياضاً!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يخسر الكاتب والمسرحي وجدي معوّض شيئاً عندما تمكنت حملة الترهيب التي تولّاها التخوينيّون الممانعون، من منع عرض مسرحيته "وليمة عرس عند رجال الكهف"، على خشبة مسرح "مونو" في العاصمة اللبنانية بيروت. قد يكون العكس هو الصحيح، كما يتبيّن بعد متابعة مقالات كثيرة في كبريات الصحف الفرنسية والأوروبية ووكالات الأنباء العالمية، عن الحدث القمعي اللبناني، وذلك لمناسبة عرض العمل المسرحي نفسه، وبنجاح وُصف بمنقطع النظير، في مدينة مونبيلييه الفرنسيّة، في الأسبوع الأول من حزيران (يونيو) الجاري.
وكان وجدي معوّض في تعليقه على منع عرض مسرحيته في بيروت بعد اتهامه بالتعامل مع إسرائيل، "ساخراً" إذ قال، وفق ما نقلت عنه بعض المقالات الفرنسية، إنه يكتب منذ خمس وثلاثين سنة مسرحيات لا تتحدث إلا عن لبنان، من دون أن تُعرض كلها تقريباً فيه، "وكانوا على مدى خمس وثلاثين سنة يقولون لي إنه يجب أن يشاهد اللبنانيون مسرحياتي. في الواقع، مرة بالزائد أو بالناقص لن تغيّر شيئاً".
وقمة السخرية السوداء، في تعليقات معوض كانت عند قوله رداً على اعتبار عرض مسرحية لفنان إسرائيلي على المسرح الوطني الفرنسي "لا كولين" الذي يديره، بمثابة جريمة: "إذا أردتم أن أستمر في التفكير كلبناني يعيش في لبنان، كان عليكم أن لا تصنعوا الحرب، لأنّه في هذه الحالة، لم أكن قد غادرت ولم أكن قد اكتشفت ثقافات أخرى وطرقاً أخرى للتفكير. هذه هي ثمار المنفى"!
إنّ التمعن في مواقف هذا المسرحي الكندي - اللبناني الذائع الصيت في العالم، يظهر كم أصبحت "بلاد الأرز" التي تسقط أكثر فأكثر تحت ثقل ضربات الممانعة الممتدة من الصاروخ إلى الحرف، تعاني التفاهة والسخافة والاضطهاد والرعب، وكيف انتقلت الثقافة من التحليق في رحاب الحرية والإبداع إلى الوقوف ذليلة وراء قضبان البروباغندا والتجييش!
في الواقع، لا يخسر الفنان شيئاً مهماً إن اضطهدته الممانعة التي تستمد قوتها من سلاح "حزب الله"، بل تتراكم الخسائر على لبنان، بحيث يصبح بكبر مساحته الجغرافية، وهي صغيرة، وبحجم سكانه، وهم قليلون!
وبأفعال الممانعة هذه، يتم تصوير لبنان، كما لو كان قد أصبح بلد "الصوت الواحد" والتحجر والتقوقع والانكفاء.
إنّ أي عمل فني، بغض النظر عن مضامينه، يتم حظره، يتحوّل إلى عمل ناجح جداً في العالم، لأنّه يكتسب مشروعية "الشهادة"، من جهة، ويشكل دليلاً إلى تفاهة الواقفين وراء منعه، من جهة أخرى!
وإنّ أي فنان يتم اضطهاده، بسبب ما يقوم به، يتحوّل إلى مرجعية، وتصبح كلماته بمثابة الفضيحة في وجه من طارده وهدده وطرده.
ما نقلته كبريات الصحف في العالم عن وجدي معوّض خطر للغاية، فهو بعدما أظهر أنّ موافقته على عرض مسرحيته، في لبنان، إنّما كانت خدمة للبنانيين ونتيجة تمنيات يتلقاها منذ عشرات السنوات، انتقل إلى الذم بالعقلية المتحكمة ببلاد الأرز، بحيث بات الانفتاح على الآخر واستيعاب الثقافات المختلفة والتعرف إلى روح الحرية، نتاجات طبيعية للمنفى، وكأنّ العيش في لبنان هو عنوان للانغلاق والتعصب والتشدد والطغيان!
قد يكون وجدي معوّض في تعليقاته على اضطهاده في لبنان واتهامه بالعمالة والخيانة، قسا على اللبنانيين، ولكن ماذا يمكن لمن تمّ التخطيط لمنع نتاجه ولزجّه في السجن ولتشويه سمعة بذل العمر من أجل اكتسابها، أن يفعل غير ذلك!
إن الخوف على صورة لبنان، وقد تمّ تزنيرها بالسواد الفكري، لا يكون برد فعل "شوفيني"، بل بمنهجية مختلفة، بحيث ينتفض الحريصون على صورة بلاد الأرز ضد مجموعة الاضطهاد، لاحتضان الفنانين والمفكرين والمبدعين.
قد يكون مفهوماً أن كثيراً من اللبنانيين ضعفاء أمام السلاح، ولكن أن يبرزوا واهنين أيضاً أمام "البوليس الفكري" فهذه كارثة!