جريدة الجرائد

هل اختفت الصداقة من حياتنا؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كثيرة ومثيرة هي الدروس والقصص التي يجب أن نتعلمها في هذه الحياة، لأنها حقائب الأحلام وصناديق الإلهام التي تستحق أن نستحضرها كلما دعت الحاجة لها، خاصة في خضم المحن وربكة الزمن، قصة "ميدالية الصداقة" التي قرأتها منذ سنوات طويلة، تكاد لا تُفارق مخيلتي، لما لها من سحر سردي وعمق مدهش، قصة ملهمة حدثت قبل تسعة عقود تقريباً، ولكنها ما زالت طازجة وطرية، تماماً كما لو أنها حدثت قبل عدة أيام.

حدثت هذه القصة الحقيقية في عام 1936، وتحديداً في دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة الألمانية برلين، ففي مسابقة القفز بالزانة، فاز المتسابق الأميركي "إيرل ميدوز" بالميدالية الذهبية محققاً قفزة رائعة -في ذلك الوقت طبعاً- طولها 4.35 أمتار، بينما استمر المتسابقان اليابانيان "سوي أوي" و"شوهي نيشيدا" في منافسة شديدة فيما بينهما تجاوزت الخمس ساعات، مما اضطر الحكام إلى إنهاء المسابقة، تاركين الأمر لمنتخب اليابان لألعاب القوى لكي يُقرر من هو الذي يستحق أن يحصل على الميدالية الفضية من بين الاثنين. وبما أن كلا المتسابقين حققا قفزة طولها 4.25 أمتار، فقد تقرر منح الميدالية الفضية لنيشيدا لأنه حقق هذه القفزة في محاولته الأولى، بينما أوي لم يُحققها إلا في قفزته الثانية، تقبل البطلان هذا القرار المناسب بكل رضا، خاصة أوي الذي هنأ زميله بميداليته الفضية المستحقة وبدا فرحاً بميداليته البرونزية، ولكن القصة لم تنته بعد، فما أن عاد البطلان إلى اليابان، وبمبادرة رائعة من نيشيدا تقبّلها أوي بكل تقدير، ذهب الاثنان إلى أحد المتاجر المتخصصة بصياغة المجوهرات، وطلبا أن يتم قطع الميداليتين إلى نصفين، وأن يُلصق النصف الفضي بالنصف البرونزي، فأصبح كل منهما يمتلك ميدالية نصف فضية ونصف برونزية، والتي اشتهرت باسم "ميدالية الصداقة".

الصداقة، قيمة حضارية لا مثيل لها على الإطلاق، وعلاقة إنسانية لا يمكن وصفها، خاصة حينما تكون صادقة وحقيقية، الصداقة هي أعظم ما يملكه الإنسان في هذه الحياة، خاصة حينما تكون متجردة من عقدة المصالح وبعيدة عن لغة المنافع، فالصديق المخلص عملة نادرة، أشبه بسور متين يحمي صاحبه من غدر الزمان وظلم الإنسان، بل هو شلال ثقة وملاذ أمان. نعم، قد تكون الصداقة الحقيقية، عملة نادرة الآن، كما نُردد ذلك جميعاً، نعم قد تكون كذلك، ولكن الأهم من كل ذلك، هو القدرة على الاحتفاظ بهذه القيمة المذهلة والعلاقة الرائعة في حياتنا، سواء كانت بين الأخوة أو الأصدقاء، بل وحتى مع الغرباء، وليتني أملك الجرأة على النصح بها مع الأعداء!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف