جريدة الجرائد

التنمّر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لم ينشأ التنمّر حديثاً. كان موجوداً دائماً، وبكافة صوره، الناعمة منها التي قد تأخذ طابع التندر أو السخرية من الآخر، وفي صوره العنيفة التي تأخذ شكل الاعتداء الجسدي.

من مجموعة تعريفات للتنمّر نختار تعريفاً نرى أنه الأنسب والأكثر إيجازاً وتكثيفاً، يقول: &"التنمّر هو سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسدياً أو نفسياً. يتميّز التنمّر بتصرف فردي من أجل اكتساب السلطة على حساب شخص آخر، ويمكن أن تتضمن التصرفات التي تعد تنمراً التنابز بالألقاب، أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة، أو الاستبعاد من النشاطات، أو من المناسبات الاجتماعية، أو الإساءة الجسدية، أو الإكراه&".

يحيلنا هذا التعريف إلى حقيقة أن من يمارسونه يملكون مساحة من السلطة، بصرف النظر عن حجمها، تتيح لهم أن يتصرفوا بروح الاستعلاء على الآخر وازدرائه وإقصائه، بل ممارسة العنف ضده في بعض الحالات. ربما يصحّ القول أيضاً: إن ممارسة التنمر لا تأتي بالضرورة ممن له سلطة ما، أو يخال أنه يملكها، حتى لو كانت زائفة، فقد يأتي هذا التنمر من شعور من يمارسه بالدونية والغيرة، حين يأتي من شخص يمكن وصفه بالفاشل تجاه شخص آخر ناجح، حيث يسعى المتنمر، إرضاءً لمشاعر الغيرة والحسد في نفسه، للتقليل من مكانة الناجح، لأن من يفعل ذلك يعرف في قرارة نفسه أنه لن يبلغ مكانة من اختاره ضحية لتنمّره.

كما في مجالات أخرى أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية أحد مجالات التنمر في صورته الحديثة، حيث تحفل الكثير من الحسابات، وفي حالات كثيرة بأسماء مستعارة، بأوجه التنمر الذي لا يستهدف الأفراد فحسب، وإنما أيضاً الجماعات والكيانات، وهو تنمر يصل، وربما يتجاوز، حدود البذاءة، لشعور من يمارسه بدرجة من الحماية، كونه يفعله في الخفاء، تحت اسم وهمي.

في الأيام الماضية انشغلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بصفعة وجهها نجم غنائي مشهور لأحد معجبيه، وهذه بحد ذاتها مفارقة، فالمستهدف ليس خصماً، وإنما معجب بالنجم المعني، ربما لأنه أراد التقاط صورة &"سيلفي&" معه أو لأمر مشابه. أصبح ذلك الحدث &"ترند&" أثار استهجان قطاعات واسعة حول ما الذي يمكن أن يشغل الرأي العام من قضايا تندرج في خانه &"التفاهة&"، قياساً إلى ما يرتكب من مجازر ضد سكان غزّة ومن تدمير لبيوتهم ومدنهم. ومع أن بعضهم رأى، أنه يجب مراعاة خصوصية الأفراد، بمن فيهم من يعتبرون نجوماً، لكن كان هناك ما يشبه الاتفاق على أن ما أتى به ذلك النجم، وجه فظ من وجوه التنمر على إنسان بسيط، ذنبه أنه معجب به، وأن باعث تصرف ذلك النجم هو &"السلطة&" التي منحته إياها شهرته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف