جريدة الجرائد

بوتين يتقدم في أوكرانيا وينتظر ترامب بفارغ الصبر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم يسفر مؤتمر السلام في أوكرانيا الذي عقد بنهاية الأسبوع المنصرم في منتجع "برغنشتوك" الفخم المطل على بحيرة لوزيرن السويسرية عن نتائج يمكن القول إنها ستشكل نقلة نوعية في أزمة الحرب الروسية &- الأوكرانية.

فعلى رغم حضور أكثر من 90 دولة أعمال المؤتمر، بدا أن البيان النهائي لم يحظ بالإجماع الذي كانت الدول الغربية الكبرى الداعمة لأوكرانيا في حربها مع روسيا تسعى إليه. فقد امتنعت العديد من الدول بينها دول عربية وازنة في معادلة الاصطفاف الدولي عن التوقيع على البيان الختامي، مما أشّر إلى أن مهمة الغرب عموماً صعبة وستكون أكثر صعوبة، وخصوصاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطلق خلال انعقاد المؤتمر مبادرة للسلام تضمنت شروطاً لإنهاء الحرب اعتبرتها الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة، وفرنسا وألمانيا تعجيزية ودعوة للاستسلام، لأنها تضمنت مطالبة أوكرانيا بالانسحاب من 5 مناطق تعتبرها روسيا جزءاً من أراضيها والاعتراف بسيادة موسكو عليها، وهي إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي سبق أن احتلتها روسيا عام 2014، دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزاباروجيا، إضافة الى إعلان حياد أوكرانيا، ونزع السلاح منها. طبعاً هذه الشروط الروسية أتت في مرحلة انتعاش الآمال الروسية بتحقيق انتصار استراتيجي على جارتها الأصغر، من خلال مراكمة الإنجازات العسكرية على مختلف جبهات القتال من الجنوب إلى الشمال، حيث ثاني المدن الأوكرانية خاركيف. فبعدما فشل الهجوم الأوكراني المضاد قبل نحو عام، عادت ماكينة الحرب الروسية لتحقق تقدماً في الميدان. كما أن الاقتصاد الروسي نجح في التأقلم مع الحصار الغربي، وذلك بفضل البوابة الصينية التي أمنت لروسيا أوكسيجيناً مالياً واقتصادياً ثميناً حال دون اختناقها مالياً واقتصادياً. كذلك نجحت روسيا في اختراق الحصار الغربي عبر تحسين علاقاتها مع دول "الجنوب العالمي" الذي آثر معظمه عدم منح الدول الغربية ورقة محاصرة روسيا، استناداً إلى استراتيجية تنويع العلاقات بين الغرب والشرق (روسيا - الصين) وموازنتها.

صحيح أن روسيا تحقق في هذه الأيام تقدماً في ميدان القتال، لكن أوكرانيا صمدت حتى الآن في صد الهجوم الروسي. فهي لم تنهزم حتى الآن، ومع انتقالها الى وضعية الدفاع باتت أكثر قدرة على مواجهة الهجمات الروسية الجديدة. فلا ننسى أن روسيا دولة عظمى تتفوق بكل المعايير على جارتها، لكنها فشلت أولاً في احتلال العاصمة كييف، وفشلت في قلب الحكومة الأوكرانية، وفي اجتياح البلاد كما كان يتراءى للرئيس بوتين عشية الحرب التي شنها في 24 شباط (فبراير) 2022. وقد أدت الحرب إلى سقوط عشرات الآلاف من الجنود الروس، وإلى تكبيد الخزينة الروسية خسائر بمليارات الدولارات، تحولت من درب التنمية الاقتصادية للبلاد. أكثر من ذلك حصلت أوكرانيا بعد طول انتظار على المساعدات الأميركية بقيمة 61 مليار دولار، إضافة الى مساعدات من الاتحاد الاوروبي بـ 50 مليار يورو. وقد اتفق قادة مجموعة السبع الكبار في قمتهم الأخيرة في مدينة باري الإيطالية على منح أوكرانيا قروضاً بـ 54 مليار دولار بضمانة فوائد الأصول الروسية المجمدة، والتي تبلغ اكثر من 300 مليار دولار. ولا ننسى الاتفاق الأمني الموقع قبل فترة وجيزة مع الولايات المتحدة لمدة عشرة أعوام الذي يضمن إمداد كييف بالمعدات العسكرية والتدريب والمعلومات. في المقابل يبدو أن روسيا تمتلك عامل الوقت في حربها، إذ تراهن على التطورات السياسية الداخلية في أهم الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا. فالانتخابات الرئاسية المقررة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في أميركا قد تؤدي إلى عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يتمتع بعلاقات جيدة نسبياً مع الرئيس الروسي. وهو يؤيد إنهاء الحرب بتنازلات لروسيا، فضلاً عن أنه يتبع سياسة معادية لفكرة "حلف شمال الأطلسي" وللعلاقات مع الاتحاد الأوروبي عموماً. من ناحية أخرى من الجدير بالإشارة أن نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة شهدت صعوداً كبيراً لأحزاب اليمين في العديد من الدول الأوروبية الكبرى، وفي الطليعة ألمانيا وفرنسا. كما أن الانتخابات التشريعية الفرنسية المقررة يومي 30 حزيران (يونيو) للدورة الأولى، 7 تموز (يوليو) للدورة الثانية، قد تشهد انهياراً كبيراً لحزب الأغلبية الرئاسية الحالي بما سيضعف الرئيس إيمانويل ماكرون المؤيد بقوة لأوكرانيا في حربها، ويعطل الدعم الفرنسي عموماً. إن المشكلة تكمن في أن التقدم الروسي على الأرض بدأ يثير المخاوف الكبيرة في دول الجوار الأوكراني، ولا سيما بولندا وجمهوريات البلطيق الثلاث التي تخشى أن تتقدم القوات الروسية إلى أراضيها. ومن هنا بدا أن موقف الغرب من التهويل باستخدام السلاح النووي من قبل روسيا طوال العامين الماضيين والذي واجهه الغرب بالتجاهل والصمت، بدأ يتغير مع إعلان الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" ينس ستولتنبرغ أن الحلف يجري محادثات داخلية بين الدول الأعضاء من أجل إخراج أسلحة نووية من مواقع التخزين، وإعدادها لكي تنشر في عدد من الدول المجاورة لأوكرانيا لبعث رسالة الى موسكو بأن الحلف يقيم معها توازن رعب ذا صدقية في أوروبا الشرقية. في مطلق الأحوال تشير مختلف التقديرات إلى أن الحرب في أوكرانيا ستكون طويلة. سيتعين انتظار موعد الانتخابات الأميركية من أجل تلمّس ملامح المرحلة المقبلة بالنسبة الى مستقبل الدعم الأميركي الذي لا يمكن لكييف من دونه أن تقاوم روسيا المتفوقة عليها بأشواط.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف