استهداف إسرائيل للتعليم في غزة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يختلف اثنان على أن ما يتكبده الشعب الفلسطيني من خسائر في الأوراح في الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو تسعة أشهر، هي خسائر ثقيلة جداً، أمام عدد السكان في قطاع غزة، والمساحة الجغرافية الضيقة للقطاع، فاستشهاد نحو أربعين ألفاً من المواطنين الفلسطينيين، وإصابة أكثر من ضعف هذا العدد بجروح، أكثرها خطرة، يعني أن نحو مئة وعشرين ألفاً من الفلسطينيين،
حتى الآن، أوقعتهم هذه الحرب الظالمة، بين ضحية وجريح، إضافة إلى العدد الكبير للمفقودين، والأسرى، فضلاً عن نزوح نحو مليون وتسعمئة ألف عن أماكن سكناهم، والالتجاء إلى أماكن أخرى هرباً من الموت.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن هذه الحصيلة من الخسائر تعد أكبر حصيلة شهدها الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المئات من الضحايا المدنيين، والآف الأسرى، وحملات المداهمة، والتدمير، والاعتقالات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية أيضاً.
يضاف إلى ذلك عمليات التجويع المقصودة التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة، والتي قد تدفع إلى المجاعة الحقيقية. حيث بات أهالي قطاع غزة يفتقرون إلى أساسيات الحياة من مسكن ومأكل ومياه. حيث تشير وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين &"الأونروا&"، إلى أن ما لا يقل عن 40% من سكان قطاع غزة معرضون لخطر المجاعة.
ورغم فداحة هذه الخسائر وحجمها الكبير قياساً لمجتمع صغير، كالمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، إلا أن ما يلفت الانتباه في هذه الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، هو الاستهداف الممنهج والمتعمد للمؤسسات التعليمية في القطاع.
فمنذ اليوم الأول للحرب انتهجت قوات الاحتلال سياسة التدمير، فلم تستثنِ الجامعات، والمدارس، من استهدافاتها المتعمدة، والمباشرة، لتلحق الضرر بأكثر من 90% من المدارس، وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي، ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية فقد تحولت 133 مدرسة حكومية لمراكز إيواء. ولم تسلم مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من القصف الاسرائيلي المستمر، بحجة أنها تحرض على ما تسميه قوات الاحتلال الإرهاب.
وتفيد الكثير من الإحصاءات بأن أكثر من 70% من مدارس وجامعات قطاع غزة دمرت، أو لم تعد صالحة للعمل، كما تسببت الحرب بمنع أكثر من 600 ألف طالب من الالتحاق بالعام الدراسي الجاري، من بينهم نحو 60 ألفاً من طلبة المرحلة الثانوية، وأكثر من 80 ألف طالب جامعي حرموا من دراستهم أيضاً، ما يمثل ضربة عنيفة توجّه إلى قطاع التعليم الفلسطيني، وهو قطاع مستنزف أصلاً، نتيجة سياسة الاحتلال، والحصار المفروض على قطاع غزة، والحروب التي واجهت القطاع، والتي أثّرت في التعليم بالمحصلة، حيث تم توثيق مئات الھجمات على المؤسسات التعليمية، عبر استهداف الجامعات الفلسطينية، والمعاهد، والكليات، والمدارس، ورياض الأطفال، بما في ذلك قتل وإصابة الطلاب والمعلّمین، وتدمیر المدارس عن عمد.
وتشير بيانات وزارة التربية والتعليم إلى أن عدد الطلبة الذين قتلوا في قطاع غزة منذ بداية الحرب وصل إلى أكثر من 5994 طالباً، والذين أصيبوا أكثر من 9890 طالباً، كما قتل 266 معلماً، وإدارياً، وأصيب المئات.
وهنا لابد من الإ شارة إلى تعمد الاحتلال تدمير معظم الجامعات في قطاع غزة، واغتيال عشرات الأساتذة الجامعيين، وسرقة محتويات الجامعات المستهدفة.
ووثق&"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان&" مقتل 94 من أساتذة الجامعات، ومئات المعلمين، وآلاف الطلبة في إطار &"جريمة الإبادة الجماعية الشاملة&"، ومن بين هؤلاء أكاديميون يحملون درجة البروفيسور، والدكتوراه، والماجستير، فضلاً عن المفقودين منهم.
من كل ما تقدم يمكن القول إن الاحتلال الإسرائيلي ينتهج، وعن سابق تخطيط وتعمّد، سياسة تدمير واسع النطاق للمؤسسات التعليمية، وللممتلكات الثقافية، والتاريخية، لجعل قطاع غزة مكاناً غير قابل للحياة والسكن، والقضاء على مقومات الحياة بهدف دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، في إطار جريمة الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وتدمير الفلسطينيين، بدنياً وروحياً.
ويعيدنا ما يجري الآن في غزة من جرائم على يد الاحتلال الإسرائيلي، إلى السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق إبان الاحتلال الأمريكي عام 2003، وشن واشنطن حملات تصفية بحق المئات من العلماء العراقين، بين عامي 2003 &- 2008، والسرقة المتعمدة للكنوز العراقية الثقافية، ومن بينها الآثار، وغيرها.
أخيراً، يمكن القول إن ما يشهده قطاع غزة حالياً هو جريمة ضد العلم والتعليم، ومحاولة لعرقلة مسيرة التعليم، وتجهيل الشعب الفلسطيني وتدمير مقدراته العلمية والثقافية، باعتبار أن العلم والمتعلمين يشكلون السلاح الأهم، والأقوى، في مواجهة الاحتلال، وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.