جريدة الجرائد

«ما بتخلص القصة»

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لكلّ مثل أو قول شعبي حكاية، وقد تتعدّد الحكايات، لكنها تحمل المغزى نفسه الذي لخّصه القول، ومن ذلك الحكاية التي تفسّر المثل القائل: &"من شاف مصية غيره هانت عليه مصيبته&"، وأحياناً تقال بصيغة المضارع: &"اللي يشوف&".. إلخ، حيث يحكى أن أهل بلدة من البلدات اختاروا من بينهم رجلاً حكيماً، وعادلاً، ليستمع إلى مشاكلهم، أو &"مصائبهم&"، ويسعى إلى حلّها، ولما اجتمع القوم في حضرة الحكيم ليروي كل منهم شكواه، طلب منهم الانتظار ليُحضر صندوقاً كبيراً، وقال لهم: ليكتب كل منكم شكواه على ورقة، ويُلقي بها في الصندوق وينصرف ليأتي غداً، ولكثرة عددهم، وبالتالي كثرة شكاواهم، أنفق القوم يوماً كاملاً يكتبون عنها، حتى امتلأ الصندوق عن آخره برسائل الشاكين.

في اليوم التالي، امتلأ المكان أيضاً بمن كتبوا شكاواهم، وهم في حال من الترقب الذي لا يخلو من توتر، في انتظار ما سيقوله الرجل الحكيم لهم، الذي طلب من الحرّاس أن يدخلوهم الواحد بعد الآخر، ولما دخل أوّلهم، قال له: أعطني ورقتك من الصندوق، ولما لم يكن هناك ما يميز كل ورقة عن سواها، أخذ الرجل يمسك بكل ورقة يقرأها بحثاً عن ورقته، وكلما قرأ شكوى وجد أن مصيبته &"تهون&" إزاء ما يقرأ من مصائب الآخرين، الأمر الذي تكرر مع من أتوا بعده يبحثون عن أوراقهم.

يُراد من هذه الحكاية مواساة كلّ من لديه مشكلة، بحثّه على مقارنة مشكلته مع مشاكل آخرين سواه، أشدّ تعقيداً، وألماً، وكأن لسان الحال هنا يقول: احمد ربّك على أن ما ابتليت به من مشكلة أخفّ بكثير من مشاكل الآخرين، ومع ذلك لفتني ما كتبه الصحفي السعودي منصور الضبعان على حسابه في منصة &"إكس&"، واصفاً هذا المثل بأنه &"سيئ جداً، وغير إنساني&"، وأنه يشعر بألمَين، لا ألمٍ واحد، حين يرى مصيبة غيره التي تفوق مصيبته.

في مسرحية &"الشخص&" من تأليف وتلحين الأخوين رحباني، والتي قدّمت في عام 1968 على مسرح &"البيكاديللي&" ببيروت، من بطولة نصري شمس الدين، وأنطون كرباج، وفيروز التي أدت دور &"بائعة البندورة&"، عبّرت فيروز عن الفكرة نفسها في الأغنية التي تقول كلماتها: &"جينا لحلّال القصص تنحل قصتنا/ ولقينا في عندو قصة يا ما أحلا قصتنا/ كل واحد عندو قصة، وكل قصة إلها قصة/ وبيخلص العمر وما بتخلص القصة&".

حلّال القصص هنا هو نفسه الرجل الحكيم الذي اختاره أهالي البلدة، لكن أغنية فيروز حملت تنويعاً أثرى الحكاية، حيث إن &"كل قصة إلها قصة&"، كأن القصص هنا تتناسل دونما نهاية، وأكثر من ذلك فإن العمر &"بيخلص وما تخلص القصة&".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف