الصحة التنبؤية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لطالما كان التوسع في تقديم الخدمات الصحية وزيادة أعداد الممارسين الصحيين أهمية قصوى، وذلك من أجل مواكبة الاحتياج في جميع المناطق، خاصةً تلك المدن والمحافظات التي قد لا تتوفر بها مستشفيات أو مراكز طبية تلبي الاحتياج الكبير، وقد جرت العادة أن تعويض الشح للخدمات يولّد توسيع عدد مقاعد التعليم العالي والتدريب المتخصص، بالإضافة إلى استحداث المشاريع الصحية الجديدة من أجل الوصول إلى الاكتفاء الخدماتي في جميع المناطق، ولا شك أن ذلك هو الحل الأهم، ومما لا يقل أهمية عن ذلك هو جدولة التوسع بحيث أن لا تفيض تلك الخدمات والكوادر المتخصصة عن الحاجة المطلوبة بعد زمنٍ معين.
ومن هنا أود الاستفادة من النهج المتبع في قطاعات الأعمال ومحركات الاقتصاد الوطني، والتي يتم فيها إجراء التحليلات والدراسات الموسعة تحت مبدأ التنبؤ (Forecasting)، وكلمة التنبؤ هنا لا تعني الحدس وحده، إنما الارتكاز على أسس تحليلية للوضع المستقبلي، مع مراعات عوامل مختلفة، كالاقتصاد العالمي والطاقة، ووضع سلاسل الإمداد والأوضاع السياسية والأمنية ببعض البلدان المصنعة للتقنيات، والتحديات المناخية، وأحدث الابتكارات والاختراعات، وسلوك المستهلكين.. إلخ، ومن ثم يتم الخروج بتقارير دقيقة وتوصيات استثمارية بناءً على المعطيات.
في اعتقادي، ونظراً لما يشهده القطاع الصحي من نمو متسارع، فإنه من الضروري على القطاعات الصحية العامة والخاصة الاستثمار في فكرة الصحة التنبؤية (Health care forecasting)، وذلك من أجل الوصول إلى كفاءة التطوير المطلوبة في الاتجاهات المناسبة المبنية على التنبؤ العلمي، بشكل أكثر إنتاجية، وربما أقل تكلفة، مما يمكّن القطاع من النمو الريادي على مستوى العالم.
فقد تكون أمراض العصر الحالية مجرد ذكرى خلال السنوات القادمة، وقد يتم اكتشاف أمراض جديدة، خاصة مع التغيير المستمر في نمط وأساليب الحياة لدى البشرية من خلال تأثير المتغيرات لكل عصر، وتكثر الأمثلة في هذا الشأن مما يتطلب تحليلا لتدرج ظهور واندثار الأمراض، إلا أنها تظل مسألة ينبغي النظر إليها من زوايا أبعد مما نراه في يومنا. ويعتبر عامل البحث والابتكار والتطوير من الركائز الأساسية لهذا المبدأ، حيث إنها لا تقل أهمية عن الأوبئة أو الجوائح في تغيير مسار الصحة لدى البشر، فكم من عقار أو جهاز أو أداة أو تقنية معينة غيرت العالم إلى الأفضل.
باختصار، إن استطعنا التنبؤ بالوضع الصحي للمستقبل تمكّنا من استثمار الإمكانيات البشرية والمادية في ابتكار مجالات جديدة تتناسب مع معطيات المستقبل بكفاءة.