المسافة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في أغلب الدول قانون السير يفرض شرط ترك مسافة بين السيارات على خطوط السير، منعاً للحوادث، وبقدر يتيح للسائقين التحكم في سياراتهم عند أي طارئ، وفي زمن جائحة كورونا تم فرض ترك مسافة مترين بين البشر للحد من استفحال الجائحة وانتقالها بين البشر.
المسافة مطلوبة بشكل طبيعي في كل مناحي الحياة، سواء في المعاملات والتعاملات والعلاقات الاجتماعية والعملية، أفراداً أو جماعات، وبشكل يتيح للفرد خصوصيته الشخصية، بحيث لا يكون مكشوفاً بشكل تام بأي حال من الأحوال، وقد ذهب متخصصون إلى وجوب تلك المسافة حتى في الحب.
وإتقان إدارة المسافة فن لا يجيده الكثيرون، فهناك من يغالي فيه فيكون جلفاً، وهناك من يتهاون فيه بشكل يجعله مباحاً للجميع، فلا المغالاة والإفراط ولا التفريط يخلقان علاقات اجتماعية صحيحة وصحية وإيجابية؛ لذا ينصح علماء الاجتماع وعلم النفس بالتوازن في المعاملات؛ بحيث لا يكون الاقتراب أو البعد أكثر مما يجب، لكن التساؤل الذي يخطر بالبال هل يمكننا أن نفعل ذلك دائماً ومع الجميع، القريب والبعيد، الحبيب والصديق، في العمل وخارجه، في حياتنا اليومية بشكل عام، وهل نعي تماماً معنى المسافة المطلوب عدم تجاوزها وفي أي ظرف ووقت، وهل يمكننا ضبط علاقاتنا وتحديدها بحيث نتحكم في المسافة لكل علاقة على حدة دون إرهاق نفسي.
قال أحد الحكماء: العلاقات بين الناس كالبيوت بعضها يستحق الترميم البسيط، وبعضها يستحق الهدم وإعادة البناء، وبعضهم يجبرنا على أن نكتب عليه للبيع، وقال آخرون: بعض الأشخاص أجمل من بعيد، فحافظ على المسافة بينك وبينهم، وقال آخر: لا تبتعد كثيراً فتُنسى ولا تقترب كثيراً فتُمل، وقال آخر: أبقِ على مسافة آمنة بينك وبين الآخرين، لترى الصورة كاملة، فالقرب الزائد كالبعد الزائد، تغيب فيه الكثير من التفاصيل، وقال الشاعر: فإن تدنُ مني تدنُ منك مودتي وإن تنأ عني تلقني عنك نائياً.
يا تُرى هل تصدّق تلك الآراء؟ مع العلم أن المسافة فنٌّ صعب جداً، فهل هناك فعلاً من يستطيع أن يجيده بشكل سليم وفعّال وفي كل الأحوال والظروف، الكاتب الإنجليزي المعروف شكسبير يقول: أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصاً آخر.