سُلطة الخوارزميات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
للكثيرين أصدقاء أو متابعون لحساباتهم على منصّات التواصل الاجتماعي، &"فيسبوك&" &"إكس&" &"إنستجرام&" وسواها يقدر عددهم بالآلاف، ومع ذلك فإنّ عدد من يتيسر لهم الاطلاع على ما ينشرونه لا يتجاوز العشرات، وفي أحسن الحالات المئات، مع الإقرار بوجود استثناءات لبعض &"المشاهير&"، وهو وصف مخاتل، فالشهرة ليست في كل الأحوال علامة التميّز أو التحقق، وما أكثر ما تقترن بالتفاهة وأوجه الإثارة المتعمدة.
لماذا لا تصل منشورات من تضمّ خانة متابعيهم أو أصدقائهم الآلاف، سوى للمئات فقط، وحتى العشرات أيضاً؟ إنها الخوارزميات التي لا يمكن وصفها بالحيادية، فهي محكومة بآليات معقدة تجعل الحياد صفة غير ملائمة لها. وهذه الآليات المعقدة بحاجة إلى بحث المختصين في التقنيات الذين يمكن أن يرشدونا إلى سبل تحكم هذه الخوارزميات في تشكيل الرأي العام، عبر نشر منشورات بعينها على نطاق واسع جداً، وحجب منشورات أخرى عن الوصول إلا إلى عدد محدود من المتابعين. وكنّا وما زلنا شهوداً على آليات التحكم التي مارستها بعض المنصّات على المنشورات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزّة والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني، حيث حجبت الكثير منها، أو حدّت، إلى أقصى الحدود من انتشارها، ولم تتردد في اتخاذ عقوبات ضد أصحابها بإيقاف حساباتهم بصورة مؤقتة وأحياناً دائمة.
الخوارزميات عمل مؤثر في مجالات عدة، لكنها لاعب ماهر في السياسة أيضاً. لنستعد هنا الضجة التي أثارتها منشورات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على منصة تويتر (إكس حالياً)، وكذلك الضجة التي لا تقل بل وتزيد حين حجبت المنصة حسابه عليها، وها هو دليل آخر يأتي هذه المرة من ألمانيا، فوفق تقرير نشره موقع &"دي.دبليو&" الألماني عرض لدراسة من جامعة لودفيغ ماكسيميليان بميونيخ، فإن خوارزميات منصتي &"فيسبوك&" و&"إنستجرام&" التابعتين ل &"ميتا&" لا تتعاملان بشكل متساوٍ مع الدعايات الانتخابية لكل الأحزاب، فرغم أن كلّ الأحزاب الكبرى المعنية بالدراسة، وهي الأحزاب المكونة للتحالف الحكومي بالإضافة إلى التحالف المسيحي الديمقراطي والبديل من أجل ألمانيا وحزب اليسار، دفعت تقريباً نفس الميزانية لتمويل إعلاناتها على المنصتين، فإن النتائج لم تكن متشابهة.
وتؤكد هذه الدراسة قدرة الخوارزميات في المنصتين على التأثير في الجمهور المستهدف. دفعت الأحزاب المعنيّة المال نفسه لهذه المنصات ثمناً لنشر دعاياتها الانتخابية إلا أن جمهوراً معيناً يرى منشورات حزب ما ولا يراها جمهور آخر، كما أن من شاهدوا هذه الإعلانات لا يتطابقون بالضرورة مع الفئات المستهدفة للأحزاب التي وضعتها مصالحهم المختصة في التواصل كأهداف للوصول على المنصة الاجتماعية.
لا يصحّ طبعاً الاستخفاف بأثر عوامل أخرى في ذلك، خاصة لجهة جاذبية برامج بعض الأحزاب لجمهور أوسع، لكن دون القول ببراءة الخوارزميات.