ثقافة السؤال أم الجواب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في العام 2016، وفي جلسة بإحدى دورات مؤسسة الفكر العربي التي انعقدت في أبوظبي، جرى عصف ذهني حول ما أطلق عليه &"ثقافة السؤال&"، وكانت غاية هذا النقاش الحضّ على إثارة الأسئلة، في الفكر وفي الفلسفة وكافة العلوم الاجتماعية، بل حتى في مجريات الحياة اليومية، كون السؤال باعثاً على التفكير، وهذه الدعوة تشمل أيضاً ما نقول عنه &"البداهة&". البداهة حمّالة أوجه أيضاً. لا يصحّ الركون إليها دائماً، واعتبارها مُسلّمة مطلقة لا تتغير. ما من شيء في الحياة لا يتغيّر، وما كان بديهياً قد يكفّ عن أن يكون كذلك بعد حين، وهذا الحين متفاوت الآماد، قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً، وبعيداً جداً، تبعاً لوتيرة المتغيرات وكذلك الاكتشافات العلمية والفكرية.
في كتاب &"أسئلة علم الاجتماع&"، يثني مؤلفه بيير بورديو على ما وصفه ب &"فن مقاومة الأقوال المتداولة&"، وهي الأقوال التي نرى فيها وجهاً من وجوه البداهة. برأيه أن مكسب التميّز هو الذي يجلبه الاختلاف والنأي بمسافة عن المشترك والشائع، ومن جانبنا لن نفهم هذه الدعوة للنأي مسافة عن المشترك، على أنها حثّ على الخروج عن المشترك بالضرورة، وإنما لإعادة التبصر فيه بتأنٍ، فليس كل ما هو مشترك هو بالضرورة صحيحاً، وإلا لما نشأت الأفكار الكبرى التي غيّرت المجتمعات وطوّرتها. حين نعود إلى ما دعا إليه رموز ما وصفت بالنهضة العربية سنجده خروجاً عمّا كان في حينه مشتركاً وشائعاً، ولكنه مع الوقت أصبح معيقاً للتقدم والمضيّ إلى الأمام.
أعادنا إلى هذا الحديث عن ثقافة السؤال مقال للمفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي بعنوان &"ثقافة الأجوبة&" منشور في كتابه: &"بين &- بين&"، والمقال ليس مديحاً للأجوبة، وإنما هو نقد للركون إلى ما استقرّ منها دون التبصر في أمرها، كما أن المقال ليس مديحاً للأسئلة بشكلٍ مطلق أيضاً. يدعو بنعبد العالي إلى مساءلة السؤال أيضاً، بل إن النقد يجب &"أن ينكبّ، أولاً وقبل كل شيء، على الأسئلة نفسها لامتحان صلابتها ومدى تمكّنها الفعلي من فحص واقعنا وزعزعة ما نركن إليه&".
يجب ألا تتحول &"ثقافة السؤال&" إلى موضة أو تقليعة استعراضية، للتظاهر بأن من يفعل ذلك يملك ناصية الفكر. يلزم إثارة السؤال، حسب صاحب مقال &"ثقافة الأجوبة&"، شرطان، الأول هو صدق هذا السؤال أو أصالته، بمعنى أنه ناجم عن حاجةٍ حقيقية لإثارته، وليس مفتعلاً، والشرط الثاني يبدو لنا مبنيّاً على الشرط الأول، وهو &"ندرة&" هذا النوع من الأسئلة، لأن توليدها بحد ذاته، مهمة عسيرة، تنمّ عن ملكةٍ في التفكير لا تتوافر إلا لمن امتلك ناصية الفكر بالفعل، لا ادعاه أو تظاهر به.