لندن .. وخزائنها المثيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يتفق الخليجيون، رجالهم ونساؤهم، على وضع لندن في موقع خاص، ترجمة لعلاقات بدأت في القرن التاسع عشر، جاءت من تفاهم بين المسؤولين في بريطانيا وبين حكام الخليج، يتضمن المساهمة في تأكيد الاستقرار في بلدانهم وتأمين سلامة خطوطهم البحرية ومساعدتهم في إبعاد الطامعين من القريب والبعيد، ومن هذه التبادلية في المصالح انفتحت أبواب التواجد البريطاني المتنوع، وفق الاحتياجات الضرورية للحفاظ على سلامة المسار البحري لهذه الدول.
جاء التواجد البريطاني من حرص لندن على تأمين الهدوء في بحر الخليج وصولاً إلى الهند، الجوهرة الفريدة في التاج البريطاني.
وجاء التواجد البريطاني إلى الكويت متأخرا، حيث تم الاتفاق بين حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح، وبريطانيا في يناير 1899، لمسببات مختلفة عن تلك التي أغرت بريطانيا في التواجد في جنوب الخليج، فالشيخ مبارك الصباح لم يكن مرتاحاً من الأسلوب الذي تتبناه الدولة العثمانية في تعاملها معه، فلم توفر الاطمئنان له، وظل يجاملها حتى انفتحت له خيارات أخرى.
دافعت بريطانيا عن أمن الكويت وأفشلت أطماع الدولة العثمانية، كما حمتها من غزوات مختلف القبائل ومن المخططات التي كان يضعها الطامعون لابتلاع الكويت، من قبل الكيانات المسلحة المتواجدة في الإقليم، كما تصدت لادعاءات الحكومة العراقية في العهد الملكي، وفي الستينيات من القرن الماضي، لكن أخطرها تمثل في الغزو عام 1990، وفي كل هذه المخاطر كانت بريطانيا الحامي المؤتمن على سلامة الكويت المتصدي للمعتدي، بالقوة العسكرية إذا برزت الحاجة لها، كما سجل التاريخ في عام1961، وعام 1990.
هذا السجل الرائع في الوفاء للتعهدات زرع الكثير من الايجابيات لدى الشعب الكويتي تجاه بريطانيا، ومن أبرز مظاهره التواجد المكثف للكويتيين في لندن وفي خارجها من المدن البريطانية، وأكثر من ذلك، الاطمئنان الكويتي على استثماراته في لندن التي بدأت عام 1953، وتنوعت في المسارات، وارتفعت أحجامها، فضلاً عن تصاعد أعداد الطلبة الكويتيين وتكاثر أعداد الكويتيين الذين يملكون عقارات في لندن، ويشعرون بالأمن فيها، والأمان على ما يملكون، وعرفوا الكثير من مدنها وانتشروا في متاجرها وأشغلوا مطاعمها، وأنعشوا شققها وأسعدوا تكسياتها، ومن يرد أن يقف على هذه الحقائق فعليه زيارة الشوارع خلف سلفرجز المشهور حيث يتكاثف الكويتيون صباحاً ومساءً شاغلين المطاعم في هذه الشوارع.
من أجمل حقائق لندن أنها ترضي جميع الأذواق ليس في المطاعم والمقاهي فقط، وإنما في كل ما توفره المحال التجارية الكبيرة ذات السمعة العالية في الموضة والشياكة ومتابعة كل جديد.
وغير ذلك، تبقى لندن عاصمة الثقافة الأوروبية وغيرها من الثقافات، تتمثل في المسارح التي هي محطات من الكلاسيكية ومن روايات شكسبير وأوسكار وايلد وآخرين، ومن الاستعراضات الموسيقية الحديثة، ومواقع الموسيقى الكلاسيكية المشهورة، كما توفر لندن محال فيها أغان وموسيقى عربية، وغير عربية.
نجد في لندن كل ما نريد، وأهمها في رأيي زيارة المكتبات المختلفة وفيها آخر ما صدر من كتب ومن مختلف المسارات حول جميع بقع العالم، ومما يسعدني رؤية الكويتيين والكويتيات داخل هذه المكتبات التي ترضي كل الأذواق، وفوق ذلك، هناك مكتبات للكتب المستعملة تباع بسعر معقول.
تبقى المتاحف الغنية بروايات التاريخ قديماً وحديثاً بعضها عن ملوك وقياديي بريطانيا، ومعظمها عما جمعته لندن من ثقافات العالم، وأنا من رواد المتحف البريطاني The British Museum الذي يضم الكثير من تراث الفراعنة وتاريخ مصر، وهناك تصور لدى سكان لندن بأن الخليجيين لا يترددون على المتاحف وأنهم رواد شارع أكسفورد وزوار هارولد، وغير ذلك، توجد تسهيلات للتعرف على نهر التايمز، حيث يتم تأجير زوارق تحمل السياح في جولات نهرية داخل لندن مع شرح مسجل في شريط يعرف السياح بهوية الاماكن التاريخية التي تهم زوار لندن.
سألت أحد الأصدقاء من الكتاب عن أعداد الكتب التي تصدر في لندن، وجاء الرد بأن لندن تضخ شهرياً أكثر من أربعة آلاف كتاب، في مختلف المسارات، وتقدم الصحافة تعريفاً أسبوعياً عن هذه الكتب، وتتولى استعراض الأهم فيها.
كما يوجد في الصحافة البريطانية كُتَّاب مسؤوليتهم تقديم موجز للكتب التي تختارها الصحيفة يشكل تقييماً لهذه الكتب وعرضها وفق أهميتها لجذب القراء.
أحرص على متابعة صحافة لندن، وأثمن محتوياتها، وأقدر حريتها، ويعجبني كتَّابها وتنوعهم، من ناقد إلى سياسي غاضب ووزير محتج، وأفضل الهدايا التي توفرها للقراء ولسكان بريطانيا وللعالم أجمع، محتوياتها ومتابعتها للأحداث العالمية، خاصة مع تطورات التكنولوجيا التي تنقل موادها إلى قراء في الصين في أقل من دقيقة.
أنا واحد من الذين يقرأون صحيفة التايمز والديلي ميل والغارديان يومياً خلال تواجدي فيها، وأقرأ صحافة يوم الأحد بكل ملحقاتها، ولا سيما لندن تايمز والتليغراف والأوبزيرفر، وتشكل وحدة معلوماتية وثقافية وأدوات تحليلية للأحداث باتقان احترافي.
مدينة لندن ترضي الجميع أهلها وزوارها وسكان أوروبا، وجميع بقاع العالم ليس بسبب الموضوعات التي تطرحها فقط وإنما لمستواها في حجم الحرية وفي الخبرة، والأهم في الاحترافية التي تنطق بها صحافة لندن، ورغم التحولات الاقتصادية التي مرت بها لندن، وأثرت في حياة جميع سكانها، التزمت الصحافة مستوى عالياً في كل جوانب المسؤولية الصحافية مع الإصرار على حماية المستوى المرتفع الذي كسبته طوال هذه السنين.
تبقى لندن محافظة على التميز في سخائها لما تقدمه للسواح ولأهلها، للترفيه وللتثقيف وللتسويق وللعلاج وللتعليم في مؤسساتها التعليمية المتميزة، وفوق ذلك تملك قدرة على تثمين الانضباط وتأكيد سيادة القانون.
ومع كل هذا المجد، لاحظت من خلال ترددي على لندن، بأن أدوار صحافة الإثارة اتسعت كثيراً، وأن التحفظ الاجتماعي الذي كان قوياً في صده، قد ضعف أمام إغراء الماديات، فما كان قبيحاً سابقاً تحول إلى التقبل، وأكثر من ذلك اتسعت الأسواق لهذا اللون، وزادت شهية القراء للتعرف على أسرار النجوم والمشاهير وتعبر الأسوار إلى هوليوود حيث تواجدت أخبارها بقوة في لندن وانفتحت لها صفحات وأكثر من ذلك، فقد تصاعدت أرقام الترجمات لكتب ألفها رجال ونساء المجتمع ولا سيما في فرنسا وعواصم أوروبا، واضحة في سردها لتنوع الحياة التي يتمتع بها هؤلاء، وتفاصيل تقلبات العشق، وما يلفت الانتبها أن الصحافة الشعبية التي تلاحق هذا المسار لها جاذبية عند القراء، ويتصاعد الطلب عليها، وتختفي من الرفوف قبل الجديات.
وتبقى لندن تبث سحرها لتسعد سكانها وزوارها وتثير أشواق الملايين من البشر الذين يتمنون الوصول إليها، رغم إدراك الجميع بانها مدينة أسعارها مرتفعة ومطاعمها غالية وشوارعها مزدحمة، ومواصلاتها مكدسة بالركاب، ومع ذلك تشغل أحلام الملايين.