«الهجريّ».. اختلاف الشّهور والفصول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هلَّ - قبل أيام - هلال العام الهجري الجديد(1446)، وفي كل مطلع عام يُثار سؤال الاختلاف بين الشُّهور والفصول، على أنَّ التباعد حصل منذ نهاية العام العاشر الهجري (الفلكيّ، الإفهام في تقويم العرب قبل الإسلام).
جاء لأسباب، فُسرت بتحريم النسيء بما يخص الشُّهور الحُرم، التي يتوجه فيها النَّاس إلى زراعتهم وتجارتهم، والحفاظ على البيئة بشتى أنواعها (مقالنا: الطبيعة بحاجة للأشهر الحُرم 9/ 5/ 2020 الاتحاد)، ومعنى النَّسيء التَّأخير، وقبل ذلك كان التّوافق موجوداً بين الشّهور والفصول، وأسماء الشُّهور تُعبر عن معانيها، فالربيع الأول والثَّاني يتوافقان مع الربيع، وجمادى الأول والثّاني يتوافقان مع الشّتاء.
هناك رأي جدير بالمناقشة يذكره علامة العِراق محمود شكري الآلوسي (ت: 1924)، في كتابه الذي نال جائزة ملك السّويد والنّرويج (1889) &"نهاية الأَرب في معرفة أحوال العرب&"، لماذا عمد العرب إلى الكبس، وهو طوي الأيام، لاستخراج شهر ثالث عشر وبذلك يتم التَّوافق؟ جاء فيه: &"أراد العرب أن يكون حجِّهم في أخصب وقت السَّنة، وأسهلها في التَّردد في التِّجارة، ولا يزول عن مكانه، فتعلموا الكبس&"، ومع التَّحفظ على عدم أخذهم بالكبس مِن قبل، فماذا عن تقدير مواسم الزّراعة والرعي والحصاد؟!
والمعنى أنَّ تحريم النسيء هو العودة إلى ملة إبراهيم، على أنّ العرب كانوا وفقها لا يكبسون (المصدر نفسه). حُرم النَّسيء بالآية: &"إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً&" (التّوبة: 37)، والآية التي بعدها تفسر سبب نزولها، وهو التقاعس عن الحرب &"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ&" (التَوبة: 38)، أمَّا الآن فالأمر مختلف، ليس هناك تشريع بالأشهر الحُرم، أن يكون فيها قتال أو لا يكون. كانت أسماء الشُّهور القمريَّة (دورة القمر حول الأرض) عند العرب: غير المستعمل: مؤتمر، ناجر، حوان، صوان، رُبَّى، أيدة، الأصم، عادل، ناطل، واغل، رَنة، بُرك، وقيل غيرها، وبينها أشهر حُرم، تقابل الشّهور الهجريّة، والمستعمل: التي تبدأ بمحرم وتنتهي بذي الحجّة، والتي سار عليها التّقويم الهجري (انظر: نهاية الأرب). بعدها نأتي على وضع التّأريخ، العام 16-17 بعد الهجرة، خلال خلافة عمر بن الخطاب (13- 23 هجرية)، فهو الذي وضع التّقويم، يروي محمّد بن جرير الطّبري (ت: 310هجرية) قصة ذلك مِن عدة وجوه، كعادته في تسجيل ونقد الرّواية، أنَّ الخليفة عمر جمع النّاس، لتحديد التأريخ، بعد أن طُلب منه ضرورة تأرخة الرسائل والدواوين، مِن قِبل أبي موسى الأشعريّ (ت: 54هجرية): &"تأتينا منك كُتب ليس لها تأريخ&"، فشاور الأصحاب، وصار الاتفاق على ما أشار به علي بن أبي طالب (اغتيل: 40 هجرية)، وهو التَّأريخ مِن الهجرة، بعد أن رُفضت مقترحات مَن قال نؤرِّخ مِن مبعث الرّسالة، وعندها قال عمر: &"لا بل نؤرِّخ لمهاجر رسول الله، فإن مهاجره فَرَّق بين الحقِّ والباطل&" (الطبريّ، تاريخ الأُمم والملوك).
صحيح أن في القرآن ورد تقسيم السّنة إلى اثني عشر شهراً، لكن حتّى العام السّادس عشر الهجري، لم يتم الاتفاق على تأريخ خاص بالمسلمين، فجاء اصطلاحا لا توقيفاً، أي اجتهاد بشريّ، عندما فرضت الحاجة نفسها، فقيل: &"رُفع إلى عُمر صكٌ محله شعبان، فقال عمر: أي شعبان؟ الذي هو آت، أو الذي نحن فيه؟&"، بمعنى في أي سَنة.
غير أنّ محرم أول السّنة لم يكن يوم الهجرة، بل كان في ربيع الأول، إنما جرى التأريخ في محرم لأنه &"منصرف النَّاس مِن حجِّهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا على المحرم&" (الطّبريّ، تاريخ الأمم والملوك). هنا تأتي الحاجة والظّرف، والمؤرخون القدماء كانوا صريحين في تواريخهم، وهناك مَن يرى توافق الشّهور والفصول حاجة أيضاً، كي يعبر كلّ شهر عن معناه.
*كاتب عراقي