مخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حرّض على كتابة هذا الحديث، تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول نية بلاده إعادة النظر في عقيدتها النووية. والإشارة في هذا التصريح واضحة جداً، كونها تأتي بعد توسع التدخلات الأوروبية والأمريكية، في العملية العسكرية الخاصة، التي تدور رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، وتمكين الرئيس الأوكراني زيلينسكي، من خلال إمداده بأسلحة متطورة، من نقل المعركة إلى داخل الأراضي الروسية.
لقد دخل السلاح النووي، ضمن العمليات العسكرية، في أواخر الحرب العالمية الثانية، حين قرر الرئيس هاري ترومان، استخدامه لأول مرة في التاريخ البشري، وألقى قنبلتين نوويتين فوق هيروشيما ونجا زاكي باليابان. وذكر في حينه، أن الضربة النووية لليابان، لم يكن لها ما يبررها، لأن البلاد كانت على وشك الاستسلام، وأن السبب الحقيقي لضرب اليابان بالسلاح النووي، كان توجيه رسالة للحليف السوفييتي، وتحديداً للرئيس جوزيف ستالين، يوضح بشكل عملي، تفوق الولايات المتحدة على غريمتها المنتظرة، في مجال الأسلحة الذرية.
لقد تلقف ستالين الرسالة، وعمل بسرعة، على حيازة بلاده لهذا النوع من الأسلحة. وكان امتلاك القطبين العظيمين لهذا النوع من السلاح، إيذاناً بتحوله من سلاح تقليدي، يمكن استخدامه بالمعارك، إلى سلاح ردع، يقي من يحصل عليه من أي عدوان. وقد بقي كذلك، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى يومنا هذا.
وكان البديل عن ذلك هو سيادة حروب الوكالة، التي قضت بعدم انخراط الأمريكيين والسوفييت بشكل مباشر، في أي عمل عسكري، وأن تتم حروبهما من خلال وكلاء، يشنون الحروب نيابة عنهما. وكان الأبرز في هذا السياق، الحرب الكورية في الخمسينات من القرن الماضي، والحرب في الهند الصينية، في الستينات من القرن المنصرم، والحروب العربية- الإسرائيلية.
الأمور تغيرت كثيراً، منذ نهاية العقد الأول، من هذا القرن. فالدب القطبي، استيقظ بسرعة من سباته، وعاد بقوة للمسرح الدولي، يسعفه في ذلك وجود قيادات شابة، تعهدت باستعادة الكرامة الروسية التي طعنت بالصميم، بتفكيك الاتحاد السوفييتي، وتفرد أمريكا، بالهيمنة على العالم.
واقع الحال، إن انهيار الاتحاد السوفييتي، بعد سقوط حائط برلين في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، أطلق العنان للولايات المتحدة للتفرد بالهيمنة على السياسة الدولية. وكان احتلال أفغانستان والعراق، هو التعبير الأوضح، عن حقبة التفرد الأمريكي على العالم.
ورغم أن واشنطن تعهدت لموسكو بعدم تمدد حلف الناتو، ليشمل الجمهوريات التي كانت تابعة للنظام الروسي، لكن ذلك التعهد لم يستمر طويلاً، وذلك هو الناموس الطبيعي في الكون، فللقوّة أحكامها، وتضعضع امبراطورية يعني حلول أخرى محلها. وهكذا كان..
مجيء بوتين لسدّة الحكم، مع ما يحمله من تاريخ سياسي، وعلاقة سابقة بأجهزة الاستخبارات الروسية، وشعوره بالمهانة، تجاه ما آلت إليه الأمور في بلاده، كان بداية الانطلاق نحو تأسيس روسيا قوية عسكرياً واقتصادياً، وقادرة على إعادة مجد روسيا المفقود، ولعب دور أساسي في مجرى السياسة الدولية.
لقد رفضت روسيا بوتين القبول بسياسة الأمر الواقع، وعارضت ضم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة للناتو، لأن ذلك سيجعل منها سيفاً مسلطاً فوق رقبة روسيا. وهددت بأنها ستستخدم كل الوسائل للحيلولة دون ذلك، بما في ذلك العمل العسكري. وفي هذا السياق، كانت البداية بالعملية العسكرية الخاصة التي شنتها روسيا، ضد أوكرانيا، والتي تدور رحاها الآن.
والخلاصة، أن العالم في السنوات الأخيرة، مر بمرحلة انتقال في موازين القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية الدولية. والصراعات والحروب الإقليمية، والمحلية التي تأخذ مكانها في عدد كبير من البلدان، في هذه المرحلة ووقوف واحدة أو أكثر من القوى الكبرى خلفها، هو ما يعكس حدة الصراع، بين هذه القوى، على طريق صياغة ملامح النظام الدولي المرتقب.
إن الحرب التي تدور رحاها الآن، سببها تمسك أوكرانيا بالانضمام لحلف الناتو، ومطالبتها بنصب صواريخ برؤوس نووية، فوق أراضيها، وأيضاً بروز نزعة عدائية أوكرانية لروسيا ولثقافتها، ومواريثها التاريخية. وقد تسللت النزعة العنصرية ضد روسيا، في الفترة الأخيرة، لدول أخرى بالقارة الأوروبية.
والحرب وفقاً لهذه القراءة، لم تكن مفاجئة للمتابعين لمجريات الأحداث، وضمنها رفض إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، تقديم ضمانات لروسيا، بعدم التمدد العسكري، والتوقف عن تهديد مصالح روسيا الاستراتيجية، ورفض الاتفاق على تبني سياسة مشتركة على قاعدة توازن الأمن في القارة الأوروبية، وانتهاج سياسة في التعامل مع روسيا، عمادها التكافؤ والندية والمساواة.
شراسة التدخل الفرنسي والألماني، في الحرب بأوكرانيا، ووقوف الولايات المتحدة، خلف هذا التدخل، وتصميم روسيا، على حرمان الغرب، من تحقيق أي نصر سياسي أو عسكري، بأوكرانيا، هو الذي دفع بالرئيس الروسي، إلى الإعلان، عن نية بلاده تغيير عقيدتها العسكرية النووية. وذلك أمر بديهي ومفهوم، فما قيمة الاحتفاظ بالسلاح النووي، في الترسانة الروسية، إذا لم تكن قادرة على استخدامه بالدفاع عن نفسها أمام مخاطر حقيقية يتعرض لها أمنها؟
الكرة الآن تبدو، في ملعب حلفاء أوكرانيا- أوروبيين وأمريكيين- فإما التعامل بعقلانية، وانتهاج الطرق السلمية في التعامل مع الأزمة، وأخذ تهديدات بوتين، على محمل الجد، أو انتظار الطوفان، ونتائجه التدميرية، التي لن تبقي ولن تذر.