ردَّان على مجيد خدوري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نظرة الفقيه السوري وهبة الزحيلي في رسالته للدكتوراه المطبوعة في كتاب عام 1963، لمجيد خدوري ولكتابه «الحرب والسلم في شرعة الإسلام»، مختلفة جذرياً عن نظرة محمد البهي في تقريره «المستشرقون والمبشرون وموقفهم من الإسلام» إليهما، وهي التي أوردناها في المقال السابق، المشحونة بالافتراء والتضليل لسبب طائفي يتعلّق بديانته المسيحية التي يجب من وجهة نظره أن تمنعه من أن يدرس شأناً من شؤون الدين الإسلامي!
الفقيه السوري وهبة الزحيلي استمد معلومات من كتاب خدوري في بعض مواضيع رسالته، باعتباره مصدراً من مصادرها، مع أنه خالفه وعارضه في المسائل التالية:
- قول مجيد خدوري: إن الجهاد حرب دائمة مع غير المسلمين.
- وقوله: إن قوانين القانون الدولي في الإسلام لا تقوم على أساس الرضا المتبادل بين أعضاء الجماعة الدولية، ولكن على أساس تفسير المسلمين وفهمهم لمصالحهم السياسية والخلقية والدينية.
- وقوله: أن تعلن الدولة بمحض إرادتها حيادها نحو قوتين أو أكثر من القوى المتحاربة ليس مسموحاً به لدى فقهاء المسلمين، لأنهم قرروا أن الإسلام ينبغي أن يكون في حرب دائمة مع أية دولة ترفض أن تذعن لشروطه، إما بالخضوع للحكم الإسلامي، أو بقبول تسوية سلمية مؤقتة، لأن الدنيا قسمان: دار إسلام ودار حرب.
في معرض مناقشة الزحيلي لخدوري في المسألة الثالثة، قال: «مع اعترافنا بأن الحياد لم يكن في عهد الإسلام قد ظهر كنظام قانوني؛ إذ لم يكن هناك إدراك لمعنى الحياد نتيجة قيام شبه علاقات ودية، فإننا نقدر للأستاذ خدوري محاولته في التعرف على حالات في الإسلام تشبه عملياً وضع المحايدين اليوم، وإن لم يكن لهم وضع قانوني يحدد لهم واجباتهم وحقوقهم، ولكننا نختلف معه في تأصيل هذه الحالات وإرجاعها إلى مصدرها الشرعي، فهو يعتبر وجود فكرة الحياد - على أنها واقعة مادية في إثيوبيا والنوبة وقبرص - مبنياً على اعتبارات واقعية، وليس بناء على أصل شرعي (أي أن الشرع في تقديره لا يقرها)».
في مفتتح مناقشة الزحيلي لرأي خدوري بأن الجهاد حرب دائمة، والذي عدّه الأول «تهمة»، أدرجه ضمن الكاتبين الغربيين!
وإجمالاً، مناقشة الفقيه وهبة الزحيلي مع مجيد خدوري في المسائل الثلاث التي مر ذكرها كانت مناقشة عالية المستوى بين فقيه ومؤرخ. والذي سيقرأ كتابهما - إن لم يكن سبق له أن قرأهما - سيخرج بحصيلة معلوماتية غنية عن قضية الحرب والسلام في الإسلام.
نظرة الإسلامي السعودي عبد الحميد أبو سليمان في رسالته للدكتوراه «النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية» التي أنجزها في جامعة بنسلفانيا عام 1973، إلى مجيد خدوري وإلى كتابه، نأى بها أن تكون متأثرة بنظرة البهي إليهما في تقريره، رغم أن كتاب البهي «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي» في طبعته الرابعة (1964) كان من ضمن قائمة مراجعه. وهذه الطبعة - كما ذكرت في مقال سابق - كانت هي أول طبعة جعل فيها مؤلفه تقريره من ملاحق هذا الكتاب.
تصدى عبد الحميد أبو سليمان للرد على آراء مجيد خدوري في الجهاد الإسلامي، وما يتصل به من قضايا، من خلال كتابه «القانون الدولي الإسلامي: كتاب السير للشيباني»، الذي نشره بالإنجليزية عام 1966، ومن خلال كتابه الذي تقدم ذكره.
قال أبو سليمان بعد أن عرّف بدار الحرب في الإسلام: «يعتبر بعض الكتاب، وبشكل بارز مجيد خدوري، مسؤولين عن قدر كبير من الخلط والإرباك الناتج عن ميل هؤلاء في الاختيار المفرط لتفسيرات بعض الفقهاء المجتهدين دون غيرهم».
ومن القضايا المتصلة بالجهاد الإسلامي التي رد أبو سليمان عليها، قول خدوري: «وبحسب الشريعة الإسلامية يمكن للدولة الإسلامية أن تمنح سكان دار الحرب فترات هدنة قصيرة الأجل، إما بعقد معاهدة سلام أو بعهد أمان تقطعه لهم، لا تزيد مدة الواحدة على عشر سنوات».
رد أبو سليمان عليه، فقال: «ولنأخذ في البداية النقطة الأخيرة التي تعرض إليها خدوري ونعني بها مفهوم المدة القصوى المحددة بعشر سنوات لمعاهدات السلام، فيظهر أنه اعتمد في هذه المسألة على اجتهاد الإمام الشافعي المتشدد، وتجاهل رأي الإمام أبي حنيفة الجدير بالاعتماد، لأنه عقد يجوز في العشر، فجازت الزيادة عليها، وهو أن المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب».
ويزيد على هذه المحاجة الفقهية، فيقول: «ويعزو كل من ابن قدامة وابن رشد آراءهما إلى الإمامين مالك وأبي حنيفة، وفي رواية أخرى للإمام ابن حنبل ما يفيد أن مدة المعاهدة قد تكون غير محددة تبعاً للمصلحة التي تدرها على الدولة الإسلامية، وهذا يوضح التباين في آراء الفقهاء المجتهدين، وفي هذه الأحوال فليس هناك رأي واحد يمكن إفراده أو تخصيصه على أنه المعبر بعينه عن الشرع الإسلامي». وللحديث بقية.