سير ذاتية مبثوثة في الروايات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ما أكثر ما يُفتّش القراء، وكذلك النقّاد، عن جوانب من السير الذاتية للكتّاب، الروائيين بالذات، في رواياتهم، ويحاولون أن يسقطوا واحدة أو أكثر من شخصيات رواية ما على كاتبها، معزين الأمر إلى وجود تفاصيل في حيوات تلك الشخصيات وطباعها تُذّكر بشخصية من كتبها. وفي المقابل، ما أكثر ما ينفي كتّاب الرواية هذا النوع من الإسقاط، رافضين ما يُعدّونه مزاعم بأن شخصية ما من شخصيات رواياتهم هي شخصيتهم هم، وإن وجد بعض الكتاب الذين لا يجدون حرجاً في المجاهرة بصحة ذلك، حتى لو أشاروا إلى مقادير التخييل، فلا توجد شخصية في رواية من الروايات تشبه، في كل التفاصيل، شخصية فعلية حاول الكاتب محاكاتها، بما في ذلك شخصيته هو نفسه.
مرةً قال جون بول سارتر في سياق حديث عن سيرته الذاتية، إن الكتابة تولد بالتأكيد من الخفاء والسرية، وإذا حاول الكاتب إخفاء هذه السرية، فإن كتابته ستكون، برأي سارتر، كاذبة، أما إذا حاول إعطاء لمحة عن هذه السرية في محاولة لعرضها، فإن هذه الحالة تقترب من الشفافية.
حين سئل الروائي البرازيلي خورخي أمادو، عما إذا كانت روايته &"كاكاو&" سيرة ذاتية له، لم يؤكد أو ينف الأمر. اكتفى بالقول: &"ليس هذا بالضبط، لكنها تعكس بعمق درايتي بالعمل الزراعي الذي مارسته طفلاً&"، أما من وجّه له السؤال فله رأي آخر حين كتب في تقديمه لذلك الحوار، أن بعض روايات أمادو تعكس جوانب من سيرته الذاتية، وبينها رواية &"كاكاو&" التي كان بطلها فتى وُلد وعاش طفولته في مزرعة للكاكاو، وهذا كان شأن أمادو نفسه الذي وُلد في مزرعة مشابهة في مقاطعة باهيا في ضواحي مدينة &"ايتابونا&"، التي سيجعل منها الكاتب مسرحاً لأحداث رواية أخرى له هي &"ايتابونا&"، وكان بطلها شخصاً عربياً اختار له أمادو اسم جميل بشارة، يتحدر من الجاليات الشامية التي هاجرت للبرازيل مبكراً.
حتى روايته &"أرض عنيفة&" التي تدور أحداثها في مدينة واجهت عنفاً مروعاً، مستوحاة من تجربة شخصية للكاتب، كون والده الذي أقام فيها بعد مغادرته لمزرعة الكاكاو، تعرض هناك لثلاث محاولات اغتيال نجا منها، وفي المحاولة الأخيرة قُتل الحصان الذي كان الوالد يقطع بعض قضبان القصب لإطعامه.
أمادو الذي نفى أن تكون أي رواية له بمثابة سيرته الذاتية، قال إنه استفاد من تجربته الشخصية في بناء بعض حبكات رواياته وأبطالها، &"ربما لأني لا أستطيع أن أكتب إلا انطلاقاً من تجربة شخصية&"، كأنه يقودنا إلى خلاصة فحواها أن جوانب من السير الذاتية للروائيين مبثوثة في أعمالهم، سواء جاء ذلك بوعي منهم أو بوحي من عقلهم الباطن.