الزحيلي والمودودي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ردّ أبو سليمان على قول خدوري: «ويبدو أنَّ الشرك حُدد بما يقرب من الوثنية دون إقرار ضمني بوجود إله علوي»، بأنه «يصعب القول بذلك نظراً لعدم وجود إجماع على هذا التعريف».
قالَ بهذا الرَّد مع أنَّ ملاحظة خدوري قائمة على أنَّ أيَّ فقيهٍ لم يضع تعريفاً لمن هو المشرك، مع إجماع الفقهاءِ كلِّهم تقريباً على أنَّ الإسلامَ والشّرك لا يمكن أن يتعايشا، فعلى المشركين بالله – كما قال – أن يختاروا بين الحربِ والإسلام. فتلمّسه لمعنى الشّرك عند الفقهاء، استند إلى استثنائِهم للمجوس (الزرادشتيين) من المشركين وتطبيق أحكامِ أهل الذّمة عليهم، مع أنَّ إيمانهم بالله – كما قال عنه: يعتبر غامضاً، ولكن لهم كتاب على كلّ حال.
لقد أوردت مقتطفاً من مجادلةِ الفقيه وهبة الزحيلي ومقتطفين من مجادلة الإسلامي عبد الحميد أبو سليمان لخدوري، مع أنَّ رسالتيهما للدكتوراه لا صلة لهما لا من قريب ولا من بعيد بما قاله البهي عن خدوري في تقريره «المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام»؛ لأقفَ عند مجريات زمن متأخر عن مجادلتهما مع مؤرخ متخصص في الدراسات الإسلامية والقانون الدولي كمجيد خدوري، وأنظر إلى مجادلتهما معه وفق ما حصل في مجريات الزمن المتأخر.
وأقصد بذلك التطبيقَ العملي للقول بأنَّ الجهاد الإسلامي حربٌ هجوميةٌ مستمرة على غير المسلمين، والذي كان ذروته تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001.
هذا القول انتقل إلى العالم العربي عام 1950، مع صدورِ ترجمةِ مسعود الندوي لكتاب المودودي «الجهاد في سبيل الله» عن لجنةِ الشباب المسلم بالقاهرة. وموضوع الكتاب هو أصلاً محاضرة للمودودي طُبعت في كتاب باللغة الأوردية عام 1939.
وهذا القولُ حين انتقل إلى العالم العربي، كانَ الفكرُ الإسلامي الإصلاحي فيه مستقراً على القول بأنَّ الأصل في الجهاد الإسلامي هو الدفاع لا الهجوم والتوسع، وهو القول الذي بدأه الإمام محمد عبده في مستهلّ القرن العشرين، وقالَ به قبله الفكر الإسلامي الإصلاحي في الهند في منتصف القرن التاسع عشر.
في رسالة الزحيلي للدكتوراه «آثار الحرب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة» المطبوعة في كتاب في عام 1963، كانَ كتاب المودودي «الجهاد في سبيل الله» ضمن قائمة المراجع العربية لرسالته، فبحثت فيها عن موضع الإحالة إلى كتاب المودودي، فلم أعثر عليه بين الإحالات العديدة في رسالته. ولكنّي عثرت في ص23 وص24 من الرسالة على حاشية، قالَ فيها: «ولا يصحُّ أن يُفهمَ الجهاد على أنَّه وسيلة عدوانية نحو الشعوب غير المسلمة كما فهمه المستشرقون والمتعصبون على الإسلام. فقد اعتاد الأجانب أن يعبروا عن كلمة الجهاد بالحرب المقدسة (راجع العقيدة والشريعة، جولدتسيهر: ص106، ص125) وفسروها تفسيراً منكراً (راجع الإسلام والمستشرقون: ص60، حياة محمد، إرفنج: ص103، العقيدة والشريعة: ص27)، حتى أصبحت تلك الكلمة عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء حتى كأنَّ المسلمين يمثلون قوة متوحشة تتوثَّب للانقضاض على العالم بأسره، يملأ قلوبهم الحقد والتعصب، فتقضي على الحضارة والمدنية وتفتك بالأبرياء وتشرد الأطفال والنساء، ولا منجاة إلا بإعلان الإسلام كرهاً وبدون نظر أو تثبت...».
هذه الحاشية مقتبسة من كلام المودودي مع شيء من التصرف فيه والزيادة عليه.
المودودي في مفتتح كتابه، قال: «جرت عادة الإفرنج أن يعبروا عن كلمة الجهاد بالحرب المقدسة Holy Way إذا أرادوا ترجمتها بلغاتهم. وقد فسروها تفسيراً منكراً وتفنّنوا فيه وألبسوها ثوباً فضفاضاً من المعاني المموهة والملفقة، وقد بلغ الأمر بذلك أن أصبحت كلمة الجهاد عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء».
الحاشية كتبها الزحيلي شرحاً لكلام قاله في متن رسالته، وهو قوله: «هذا هو معنى الجهاد عند المسلمين كما صوره فقهاؤهم، ومنه يظهر لنا أنه فرض على المسلمين لنصرة الإسلام بعد وجود مقتضياته من قبل العدو بخلاف الحرب فقد تكون للعدوان، ولهذا فضّل الإسلام كلمة جهاد عن كلمة حرب، فالجهاد إذن كلمة إسلامية».
إنَّ رجوع الزحيلي إلى كتاب المودودي كان للاستفادة منه في متن رسالته فيما قاله عن سبب اختيار الإسلام لكلمة جهاد، وهي المسألة التي فصّلها المودودي في كتابه في ثلاث صفحات، وللاستفادة منه في حاشيته في رفض تسمية الغربيين الجهاد بالحرب المقدسة، وهو ما أفاضَ المودودي في الحديث عن سبب رفضه له بما يقرب من أربع صفحات من كتابه.
فرجوعُه إلى كتاب المودودي اقتصر على الاستفادة منه في هاتين المسألتين، لكنَّه لم يتعرض لأقواله عن الجهاد والتي منها أنه بعد تكوّن الجماعة (سماها بثلاث تسميات، هي: الجماعة الإسلامية، والحزب الإسلامي، وحزب الله) يجب على أعضائها الشروع بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها. وذلك في سبيل غاية عليا وهدف أسمى، وهو الانقلاب العالمي الشامل المحيط بجميع أنحاء الأرض!
قال بهذا في محاضرة، والمحاضرة طُبعت في كتاب بلغة الأوردو قبل تأسيس «الجماعة الإسلامية» التي اختير أميراً عليها، بسنتين وأربعة أشهر. وللحديث بقية.
التعليقات
مناقشات عقيمة
من الشرق الأوسط -أمة النصوص...هذه هي امة الإسلام: امة نصوص وتفسيرها، ولا توجد امم اخرى مثلها...الأمم الأخرى هي امم العقل والمنطق، ولهذا فهي كلها اكثر تطورا وسعادة من المسلمين.كتب المودودي ما اراد، وحقيقة تأريخ الإسلام هو الغزو والإحتلال ونهب ثروات الشعوب والأمم التي غزاها العرب المسلمين بل وتعريب تلك الشعوب.....هذا هو تأريخ الإسلام ولم يأت المستشرقين بأي شيء من انفسهم.