جريدة الجرائد

القصة أبعد من لبنان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

جمال الكشكي

الإقليم بات على فوهة بركان، النيران مكتومة، التأهب يلف خرائط المنطقة.

يبدو لبنان، بمساحته الصغيرة، وبعمقه التاريخي الكبير، بيدقاً على رقعة الشطرنج العالمية، عبر الأزمنة، وقع الاختيار عليه من اللاعبين الكبار، ليكون ساحة لتصفية الحسابات، والمعارك السرية والعلنية.

دون ريب، كان لبنان، ولا يزال، رئة العرب الثقافية، وصانع الأفكار من خلال إتاحة الفرصة لكبار المثقفين العرب، وغير العرب على مدى أزمنة، ولبنان هو المنتج الكبير للأسماء المبدعة التي عبرت القارات، كجبران خليل جبران، وفيروز، والأخوين رحباني، وغيرهم كثير.

كما أنه استضاف، كبار المبدعين العرب، أمثال الشاعر المصري أمل دنقل، والسوري نزار قباني، والفلسطيني محمود درويش، والعراقي بدر شاكر السياب، وأدونيس ومحمد الماغوط وسعدي يوسف وممدوح عدوان كما استضاف الفنانين والسينمائيين، وكبار المطربين العرب، وثمة رئة صحافية كانت في لبنان بعد هزيمة عام 1967.

يبدو أن لبنان كان مثار حسد من أعدائه في الإقليم، وخارج الإقليم، بسبب دوره الذي أشرت إليه منذ قليل، وجعله دائماً لوحة &"تنشين&" من أجل تأكيد النفوذ والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، على اعتبار أن لبنان جغرافيا رخوة، يمكن من خلال العصف به توصيل رسائل قاسية إلى المنطقة بالكامل.

منذ الثامن من أكتوبر، تم الاشتباك بين إسرائيل وجنوب لبنان، كان الهدف منذ البداية توسيع الحرب، لتشمل الشرق الأوسط بالكامل، وهو أمر لا ينكره بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وذلك لأنه يريد أن يتخلص من الفشل الذريع الذي لاحقه يوم السابع من أكتوبر عام 2023، وأيضاً رغبته في التوسع للسيطرة على أراضٍ شاسعة تعود إلى لبنان وسوريا وفلسطين.

وجد نتانياهو في الحرب على غزة، فرصة لتنفيذ كل مخططاته مرة واحدة، وإلى الأبد، وكان أول هذه المخططات تهجير أهالي غزة قسرياً إلى سيناء، وتهجير أهالي الضفة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية للأبد.

هذا المخطط فشل في تحقيقه على مدى عشرة أشهر قاسية من الحرب، دمر خلالها البنية التحتية لقطاع غزة، وشرد مليون نسمة، وقتل وجرح وأسر أكثر من مائتي ألف.

ومع فشله التام في وضع نهاية للحرب، راح ينظر إلى لبنان كساحة جديدة للحرب، تغطي أولاً فشله في الحرب على غزة، وتفتح آفاق حرب جديدة، تتداخل فيها قوى إقليمية ودولية يرغب في استدعائها إلى الشرق الأوسط، لتنفيذ ثاني مخططاته، وهو تأكيد التوسع في مزارع شبعا اللبنانية، والجولان السورية، واعتبارهما أرضاً إسرائيلية تضاف إليه، برغم أنه يحتل هذه الأرض.

ويعتبرها أرضاً إسرائيلية، بحكم قانون بيجين عام 1981، وبحكم اعتراف دونالد ترامب عام 2019، بأنها أرض إسرائيلية، فإن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، لا تعتبرهما كذلك، ويجد نتانياهو فرصة الحرب، ليتخذ منها موقعاً متقدماً للسيطرة على حقول الغاز في المتوسط، والتمكن من أراضي لبنانية في مزارع شبعا، أخصب الأراضي اللبنانية.

إن ما يحدث في لبنان وحولها، هو خطر لا يطال لبنان وحده، بل يطال الإقليم بالكامل، وبرغم تحذير وتصريحات الولايات المتحدة الأمريكية، من توسيع الحرب، فإنها تتناقض مع تصريحات أخرى، تؤكد على دعمها المطلق لإسرائيل في العدوان، وكان خطاب نتانياهو أمام الكونغرس الأمريكي، دلالة على أن أمريكا تتحول من راعية للسلام في الشرق الأوسط، إلى راعية لأفكار نتانياهو، التي هي بالضرورة أفكار توسعية، وضد الشرق الأوسط.

إن الاعتداء على لبنان في هذا السياق، يشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين، كون لبنان دولة عضواً في جامعة الدول العربية، ودولة عضواً في الأمم المتحدة، ويتمتع بالاستقلال التام، ويجب أن يحظى بالحماية الدولية من أخطار حرب نتانياهو، وحكومته اليمينية.

أما النقطة الأخطر، فهي أن لبنان تحول إلى ساحة لصراع قوى إقليمية، تقوم بتنفيذ مصالحها الاستراتيجية على حساب الشعب اللبناني، فكثير من النخب اللبنانية المختلفة، ترغب في أن يكون لبنان ذا حكومة قوية تعبر عن جميع الطوائف، والأعراق والإثنيات، وبيدها قرار الحرب والسلام، وليس بيد طرف وحيد.

لقد حان الوقت ليخرج لبنان من فكرة الساحة إلى مفهوم الدولة، والدولة الوطنية لكل أبنائه، فلا شك أن جسد لبنان، قد أثخن بحروب متتالية، ما بين حروب أهلية داخلية، واعتداءات إسرائيلية خارجية، لم تتوقف على مدى ثمانية عقود، وبالتحديد منذ وجود إسرائيل في المنطقة عام 1948. ولذا، فإن استقرار لبنان، هو استقرار الشرق الأوسط، والمؤكد أن الاستقرار الأكبر سيكون بوجود دولة فلسطينية مستقلة، كأم القضايا في العالم المعاصر.

استقرار لبنان، هو استقرار الشرق الأوسط، والمؤكد أن الاستقرار الأكبر سيكون بوجود دولة فلسطينية مستقلة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف