تركيا.. بين ترامب وهاريس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس من السهولة أن تجد تركيا مكاناً لها في التحالفات العالمية يلبّي كل ما تتطلع إليه. فهي في المنطلق الأساس عضو في حلف شمال الأطلسي منذ عام 1952. وقد بذلت دماً في الحرب الكورية من أجل أن تقدّم بطاقة اعتماد لدخول الحلف.
هذا كان مؤشراً على أن &"الأخطار&" المحدقة بتركيا ينظر إليها المسؤولون الأتراك على أنها جدّية للغاية. وهذه الأخطار نابعة من المطالب السوفييتية بعد الحرب العالمية الثانية، بالمشاركة في إدارة المضائق، واستعادة بعض الأراضي في الشرق التركي. فكان الاستنجاد بالغرب، وحلف شمال الأطلسي، لمواجهة من تصنفهم تركيا أعداء.
وغالباً ما كانت تركيا تدخل في خلافات، وأحياناً صدامات مع حلفائها من أجل قضايا &"قومية&"، مثل قبرص، أو أذربيجان. ومع ما سمّي ب&"الربيع العربي&" ظهرت في شمال سوريا مسألة المجموعات المسلحة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والتي أصبحت لاحقاً &"قوات سوريا الديمقراطية &- قسد&". وقد دخلت تركيا في خلاف جدّي مع الولايات المتحدة بسبب دعم الأخيرة لقوات &"قسد&"، واتهام تركيا لواشنطن بأنها تستخدم الأكراد المؤيدين لحزب العمال الكردستاني من أجل تفتيت سوريا، والمنطقة، وتهديد الأمن القومي التركي. ومن ثم عملت واشنطن على إسقاط الرئيس التركي بمحاولة انقلاب عسكرية عام 2016 كان نصيبها الفشل. لكن تركيا لجأت إلى اللعبة نفسها، وهي الاستنجاد بخصوم الولايات المتحدة للتصدّي للخطة الأمريكية.
فكان التحول في نسج تركيا علاقات وثيقة مع روسيا منذ عام 2016 وإدخال روسيا في استثمارات كبيرة في تركيا من صفقة &"إس 400&"، إلى المفاعل النووي، وخط النفط والغاز عبر إسطنبول. الأمر الذي أغضب الولايات المتحدة وجعلها تفرض على تركيا عقوبات، اقتصادية ومالية، وتهدّد تركيا بألا تفعّل نظام صواريخ &"إس 400&"، وكل ذلك حصل مع عهد الرئيس الجديد، دونالد ترامب، الذي كان فاز للتو في انتخابات عام 2016 بعد المحاولة الانقلابية في تركيا.
ومع ذلك، كانت تركيا ترى في ترامب، رغم كل عدم اتزانه، أفضل من الرئيس باراك أوباما، والحزب الديمقراطي. بل إنه في عهد ترامب وافقت واشنطن على السماح لتركيا بالقيام بعملية &"نبع السلام&" العسكرية المهمة التي جعلتها تحتل المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين، وبعمق يصل أحياناً إلى 30 كيلومتراً. وهذا إنجاز لتركيا التي تريد أن &"تطهّر&" كل المنطقة الواقعة شرق الفرات، وغربها، من المسلحين الأكراد. بل إن ترامب كان اطلق تصريحاً أثار ارتياح تركيا لكن لوقت قصير فقط، وهو أن الولايات المتحدة قررت الانسحاب من شرق الفرات. ما يصبّ في مصلحة تركيا، وقيامها بعمليات عسكرية ضد الأكراد. لكن ترامب لم يصمد في تنفيذ قراره، إذ قرر التراجع عنه تحت ضغط المؤسسة العسكرية.
وعندما فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن، في انتخابات 2020 أسقط بيد أردوغان، باعتبار أن الرئيس الأمريكي الجديد كان نائباً للرئيس خلال المحاولة الانقلابية ضد أردوغان في عام 2016. بل إن بايدن توعد أردوغان خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2020 ب&"خلعه بصورة.. ديمقراطية&".
وفي السنة الأولى من عهده أغضب بايدن الأتراك باعترافه بأن أحداث 1915 كانت إبادة ضد الأرمن، وكرر ذلك في السنوات التي تلت. كذلك لم يقم بايدن، ولا أردوغان، بأي زيارة رسمية لبلد الآخر، ولم يلتقيا إلا على هامش مناسبات واجتماعات قمة لدول حلف شمال الأطلسي، أو غير ذلك. والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة في عهد بايدن عززت دعمها لقوات &"قسد&".
وفي سياق امتلاك أوراق قوة للضغط على واشنطن، استجاب أردوغان لدعوات روسيا، وأطلق سلسلة نداءات للاجتماع بالرئيس السوري بشار الأسد، والتقارب مع دمشق. وهذا لا شك يغيظ الولايات المتحدة التي ردت على تقارب أردوغان، النظري حتى الآن، مع دمشق ب&"إنعاش&" تنظيم &"داعش&" الإرهابي، وإصدار بيان قبل أيام من قيادة الجيش الأمريكي بقيام الجنود الأمريكيين، وقوات &"قسد&"، بعمليات مشتركة ضد عناصر &"داعش&"، في رسالة أمريكية بأن واشنطن لا تزال تعتبر القوات الكردية ضرورة لمحاربة &"داعش&"، وبالتالي الاستمرار في دعمها.
الآن تواصل تركيا اللعبة نفسها في تفضيل فوز دونالد ترامب، على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، التي تعتبرها تركيا استمراراً لخط بايدن، وترجيح أن تواصل في حال فوزها دعمها المطلق للقوات الكردية.
رهان تركيا على ترامب يأتي، كما ذكرنا، من أن له سوابق في التعاون مع تركيا، وفي وجود &"فكرة&" الانسحاب من سوريا في رأسه. لكن ذلك لا يعني أن مجيء ترامب سيكون مَنّاً وعسلاً لتركيا، وأن مجيء هاريس سيكون الزقوم لها.
فتركيا التي تقع في محيط إقليمي متناقض ومملوء بالمشكلات المتفجرة، تنعكس عليها تداعيات التوترات، الإقليمية والدولية، طالما هي أيضاً تأخذ مواقف مختلفة، وتتبع طموحاتها الخارجية من ليبيا، والقوقاز، والخليج، وسوريا، والعراق، وشرق المتوسط. وهذا يجعل من الطبيعي أن تكون تركيا عرضة للتداعيات المختلفة، ويجعل علاقاتها مع معظم جيرانها، ودول المنطقة، متذبذبة، ليس آخرها الكباش الكلامي مع إسرائيل، وتهديد أردوغان باجتياح إسرائيل، كما اجتاح قبلاً القوقاز، وليبيا، وبالطبع سوريا والعراق.
وعلى هذا، لا يمكن الجزم بأن ترامب سيكون فعلاً برداً وسلاماً، ولو نسبياً على تركيا، وبأن هاريس ستكون خلاف ذلك. وما على تركيا سوى الانتظار.