جريدة الجرائد

الاعترافات بمغربية الصحراء.. تتويج للديبلوماسية الملكية..

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تمكن الملك محمد السادس خلال ربع قرن من العمل على استكمال الوحدة الترابية والوطنية... من تغيير مفاهيم ومعادلات وتفكيك شفرات كان يظنها البعض أو أوهم الآخرين على أنها مستحيلة...

لقد أبان الملك محمد السادس ومنذ جلوسه على عرش اسلافه الميامين انه لاعب سياسي من طينة نادرة وأنه قارئ جيد لطاولة لعبة الشطرنج في العلاقات الدولية... وقد ظهر ذلك جليا من خلال مسارات تحضير المبادرة المغربية للحكم الذاتي للأقاليـــم الصحراوية ثم تقديمها في ابريل 2007... وما واكب ذلك من ترسيخ دستوري للهوية المغربية الموحدة سنة 2011 وتحركات ورحلات شخصية لجلالة الملك محمد السادس في كل أنحاء العالم آسيا وأمريكا وروسيا وإفريقيا...

لقد كانت خطوات دخوله لقاعة اجتماعات منظمة الاتحاد الافريقي في يناير 2017 وعودته للبيت الافريقي بكامل القوة والكبرياء.. مرحلة جديدة وخطوات نحو الحل النهائي.. ولعل مدة التصفيق داخل القاعة كانت دالة على اشتياق باقي اعضاء البيت الافريقي لأحد الأعضاء المؤسسين وأحد كبار الفاعلين السياسيين والتاريخيين والاقتصاديين بإفريقيا..

كما ان انتصار قرارات مجلس الأمن الدولي للمبادرة المغربية ومنذ سنة 2007 كان انتصارا للمقاربة الواقعية في أفق حل سياسي مع سقف وحيد هو مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية..

وبالموازاة مع هذا المسار الديبلوماسي والسياسي فقد قاد جلالته مسيرات أخرى من خلال تخصيص برامج تنموية واستثمارات استراتيجية بالاقاليم الصحراوية وإشراك أبناء الصحراء المغربية في تدبير شؤونهم المحلية من خلال مجالس البلديات والجهات ونواب برلمانيين وفعاليات نقابية وحقوقية وإعلامية... غيرت من صورة المنطقة ككل وجعلت من اقاليم الصحراء بوابة للعمق الافريقي من خلال الميناء الأطلسي بالداخلة وشبكة الطرق وبرامج اقتصادية واعدة..

مسيرة ربع قرن من العمل الجاد والمتفاني، كان شعارها أن الصحراء هي قضية وجود وليست قضية حدود... وأن الحكم الذاتي هو السقف الوحيد... وان المغرب في صحراءه والصحراء في مغربها... وأن الصحراء هي قضية مركزية... وأنها أم القضايا... وانها القضية الوطنية الأولى... وان المغرب لا يتفاوض على صحراءه... ثم أن الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم ويقيم صدق الصداقات ونجاعة الشراكات... وهي كلها عناوين لمراحل القضية الوطنية الأولى وبارومتر سياسي للدينامية الدولية الإيجابية التي عرفها ملف "أم القضايا" المغربية من خلال تناسل الاعترافات بمغربية الصحراء وتدشين مقرات قنصلية بكل من العيون والداخلة..

لكن الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في ديسمبر 2020 كان له طعم نصر سياسي واستراتيجي كبير..خاصة وأن أمريكا عضو دائم بمجلس الأمن الدولي و"حامل القلم" Penholder أي يقود النقاشات وصياغة القرارات... بالإضافة إلى أن أمريكا كقوة اقتصادية وعسكرية وثقافية... ليست كتلك الكيانات المجهرية التي تنتظر دولارات سونطراك من أجل بيع صوتها..

وستتبنى الجارة الاسبانية المقاربة الواقعية في ملف مغربية الصحراء من خلال رسالة بيدرو سانشيز في مارس 2022 والتي تعترف بقوة المقترح المغربي وبمغربية الصحراء..

ولن نفشي سرا بوصفنا لوقع الزلزال داخل النظام العسكري الجزائري بعد رسالة سانشيز واعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء في مارس 2022... لأنها الدولة المستعمِرة السابقة للصحراء المغربية وكل ما يعنيه ذلك من توفرها على الخرائط والارشيف العسكري للصحراء المغربية والاتفاقيات الثنائية والدولية وكل تقارير الخبراء والرحالات والمنظمات الإسبانية..

وسينتظر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مناسبة احتفالات ريع قرن على تربع جلالة الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2024... لإعلان الحكم الذاتي للأقاليـــم الصحراوية كحل وحيد للنزاع الإقليمي في رسالة بعثها الى ملك المغرب مؤكد فيها أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان ضمن السيادة المغربية... وان دعم فرنسا لمبادرة الحكم الذاتي لسنة 2007 هو واضح و ثابت... وأنها تتطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية..

ولسنا هنا في حاجة الى التذكير بماهية الإعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، خاصة وأنها القوة المستعمِرة السابقة لشمال افريقيا ودول الساحل... وتوفرها على خرائط الحدود الأصلية والارشيف الديبلوماسي والعسكري للمنطقة... ويكفي ان نستلهم بعضا من عمق رسالة الملك محمد السادس للرئيس الفرنسي ماكرون يوم 31 يوليوز 2024.. بقوله ان تكريس المقترح المغربي لسنة 2007 كأساس وحيد لحل النزاع الإقليمي الموروث عن حقبة أخرى.. هو موقف واضح وقوي.. وهو اعتراف يتضمن اعترافا بالاسانيد القانونية والحقوق التاريخية للمغرب على اقاليمه الصحراوية... من مطلع وثيق على ماضي شمال أفريقيا وحاضرها، وشاهد عن كثب على تطور هذا النزاع الإقليمي.

واعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحراءه وهي العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي وهي أيضا "حامل القلم" بمجلس الأمن الدولي إلى جانب كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية... والفاعل القوي في مؤسسات الاتحاد الأوروبي والعديد من المنظمات الحقوقية والتجمعات الفرانكوفونية... يدخل في اطار الدينامية الدولية الإيجابية والمقاربة الواقعية في ملف مغربية الصحراء..

لكن ونحن نثمن عاليا اعتراف الدولة الفرنسية بمغربية الصحراء وتهديدات النظام العسكري الجزائري بعقوبات اقتصادية بعد رياضة سحب السفير من باريس.. فلابد من الإشارة أن واردات فرنسا من موارد الطاقة الجزائرية لا تتجاوز 8%... كما ان ذات الإعتراف سيجبر النظام الجزائري على إعادة ترتيب أوراق الانتخابات الرئاسية في سبتمبر القادم وأيضا لجنة الذاكرة المشتركة وقضية الجماجم...

واذا كانت فرنسا قد اختلفت في ملفات اجتماعية وسياسية ساخنة أججت الشارع الفرنسي كأزمة التقاعد والضواحي والإرهاب والهجرة وملفات قطاعية مهمة... فإن رسالة الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي كحل وحيد... عرفت إجماعا سياسيا قل نظيره في الساحة السياسية الفرنسية.. إذ مباشرة بعد نشر رسالة ماكرون بمغربية الصحراء خرجت "مارين لوبان" عن حزب التجمع الوطني ومنافسته على الرئاسيات في جولتي 2017 و2022... وكذلك فعل سيوتي عن اليمين وآن هيدالغو عمدة باريس وقيادية في الحزب الاشتراكي الفرنسي وشخصيات فكرية وإعلامية مرموقة... كلها اصوات مؤيدة لمغربية الصحراء.. مما يجعل منه اعترافا للدولة الفرنسية بأغلبيتها السياسية ومعارضتها وبسياسيها ومفكريها وباعلامها..

إن رسائل الإعتراف الواضح والقوي بمغربية الصحراء أو فتح قنصليات بالعيون والداخلة... هي إحداثيات الطريق لكل الشراكات الحقيقية والصداقات القوية مع الدولة المغربية... وهي عنوان كبير لربع قرن من العمل الجاد والدؤوب للديبلوماسية المغربية ولصانعها الملك محمد السادس..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف