جريدة الجرائد

وجوه في طريق العمر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كان وما زال أحد التجار الصغار يبيع كل ما يحقق له أرباحًا، تارة يشتري ويبيع في الملابس، وتارة يبيع ويشتري في معدات المطاعم، ومرات كثيرة في السيارات المستعملة، وأذكر أنه كان يبيع أجهزة الستلايت في زمن الستلايت. كان شعاره: أعمل في كل ما هو حلال. في أحد الأيام قلت له إنه سيستقر بعد مدة على عمل واحد يجد فيه شغفه، حينها أجاب أن الشغف بالنسبة له هو لغة الهوايات، أما التجارة فهي لغة الأرقام، لا يهمني مالذي أبيعه واشتريه طالما أنه حلال، لا تهمني إن كانت جودته ممتازة أم عادية فلكل سلعة ثمنها. في نفس الفترة وفي بداية التسعينيات الميلادية بدأ أحد المعارف العرب ممن جمعتني فيهم صُدف لندن، ببيع سندويشات من نوع واحد، كان يحضرها في مطبخ شقته الصغيرة جدًا، في البداية اتفق مع البقالات العربية القريبة أن يعرضها في ثلاجاتهم ويتقاسم معهم الأرباح، كان الطلب عليها جيدًا، حاول أن يضم رفيقه إليه لكنه رفض قائلًا: شو أنا جاي لندن منشان أبيع فلافل! استمر في بيع سندويشاته ثم استطاع الاتفاق مع بعض البقالات البعيدة، وعندما زاد الطلب استأجر مطبخًا صغيرًا واستخرج رخصة تجارية واستعان بمن يساعده. كانت السندويتشة التي يحضرها بسيطة، لكنها لذيذة ويصعب تقليدها مع بساطتها، وبعد عام أضاف نوعًا آخر، ثم ثالثًا ورابعًا. عندما التقيته في بداياته وكان حينها قد بدأ في توزيع نوعين من الساندويتش قال إنه لا يربح كثيرًا، لكنه يرى الأرباح في المستقبل عندما يوزع على بقالات أكثر، وعندما يعتاد الزبائن على ما يقدمه. لا أعرف كم عدد الأنواع التي يقدمها الآن، لكن اسمه صار معروفًا وموثوقًا، سمعت أن أحواله المالية صارت ممتازة، وصار يملك علامة أغذية بدأها من سندويتشات يحضرها في مطبخ شقته الصغيرة. اليوم عندما أقارن بين التجربتين بين التاجر الذي يبيع كل شيء ولا يستقر على تجارة معينة، وبين صاحبنا الذي أنشأ علامة تجارية أجد أن الاثنين ذكيان، واستطاعا تحقيق الأرباح، لكن الأول كان بلا رؤية واضحة، بينما الثاني كان يسير على طريق يرى ملامحه البعيدة. الأول سيشعر بالتعب مع التقدم في السن، وصحيح أنه حقق نجاحات وأرباحًا لكن عمله يعتمد عليه وحده، بينما الآخر بنى مؤسسة تعمل في انتظام حتى وإن كان مسافرًا. لا أدري ما الذي حل بمن رفض مشاركة رفيقه في بيع الفلافل، لا أدري إن كان رفضه خطأً كبيرًا ارتكبه في حق نفسه ومستقبله.
ألبير كامو: أن تكون مختلفًا، فهذا ليس جيدًا ولا سيئًا، بل يعني فقط أن لديك ما يكفي من الشجاعة لتكون على طبيعتك.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف