جريدة الجرائد

آخر حروب إيلون ماسك!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلون ماسك مبدع في ميادين التكنولوجيا، لكنه أكثر إبداعاً في إثارة الجدال، وافتعال الحروب، وخلق الأعداء. وهو في عجالة من أمره كما يبدو في الآونة الأخيرة، إذ اشتبك مع عدد من الزعماء الأجانب، آخرهم كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، وشخصيات عديدة، بينهم مقربون في مقدمتهم ابنته المتحولة جنسياً، فيفيان جينا ويلسون.

يمكن التحفظ على العديد من أفكار ستارمر ومواقفه، غير أن تعاطيه مع أعمال الشغب والمعارك الدائرة مع المتطرفين في عشرات المدن والبلدات البريطانية منذ 29 تموز (يوليو) يستحق الثناء. هذا ما يقوله بريطانيون محايدون، وأيضاً بعض أنصار حزبي الديموقراطيين الأحرار والخضر المعارضين. أما ماسك فله رأي ثانٍ. وهو لم يكد يعلن الهدنة مع عدد من الزعماء الأجانب بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن، ويشن هجماته الأولى على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في نهاية تموز (يوليو) الماضي، حتى قرر قبل أيام إطلاق الرصاصات الأولى في صراع مع المملكة المتحدة وزعيمها الحالي. وأعلن بوضوح تام في سلسلة من التغريدات وقوفه إلى جانب المتطرفين في اعتداءاتهم على المسلمين، وطلاب اللجوء، والمهاجرين، والشرطة... إلخ.

وفي غمرة المواجهات العنيفة مع العنصريين، كان رئيس الوزراء قد حذر في 1 آب (أغسطس) "شركات التواصل الاجتماعي" والمسؤولين عنها من أن "الاضطرابات العنيفة يجري تأجيجها عبر الإنترنت" من خلالهم. وأوضح أن التشجيع على الشغب "جريمة"، ثم لوح بتهديد مبطن بمقاضاة هذه الشركات التي يُنتهك بواسطتها "القانون الذي يجب التمسك به".

كان من حق صاحب "إكس" (تويتر سابقاً) أن يشعر بالقلق بعد تصريحات ستارمر هذه. فهو ترك أبواب منصته النافذة مفتوحة على مصراعيها لمتطرفين بريطانيين متورطين بنشر أكوام من المبالغات ونظريات المؤامرة حول المسلمين والمهاجرين، منذ اشتراها في عام 2022. ومعروف أن عدداً من المتطرفين البريطانيين، في مقدمتهم تومي روبنسون، كانوا ممنوعين من استعمال المنصة حتى سمح لهم بذلك ماسك.

لكن ربما استفزت التهديدات الملياردير، فرد على رئيس الوزراء بوابل من الاتهامات المغرضة والأحكام المتسرعة والتهجم الذي يفتقر إلى اللباقة. وبدأ حملته هذه في 4 آب (أغسطس) بالقول إن "الحرب الأهلية حتمية" في المملكة المتحدة! وفسر هذا الحكم "القاطع" بمداخلة تشوبها عنصرية فادحة، مؤكداً أنه "إذا تم الجمع بين ثقافات غير متناسبة من دون الدمج بينها فإن الصراع يكون حتمياً".

وكرت السُبحة، فنشر تغريدات عدة فيها افتراءات فاقعة ضد رئيس الوزراء. مثلاً، تعهد ستارمر بعدم السكوت على "هجمات ضد المساجد أو ضد المجتمعات المسلمة"، فتساءل ماسك "ألا يجدر بك أن تكون قلقاً بسبب الهجمات ضد كل المجتمعات؟". ثم أطلق هاشتاغَ جديداً إمعاناً في التجني على الزعيم البريطاني، انطوى على اتهامه بالكيل بمكيالين والتساهل مع احتجاجات المسلمين من جهة، والبطش بمسيرات البيض!

اللافت أن هذه التهمة أُثيرت مراراً من عنصريين مثل روبنسون. وتم دحضها حتى من جانب محافظين متشددين مثل بريتي باتيل، وزيرة الداخلية السابقة التي بالغت في استهداف المهاجرين وطالبي اللجوء، فقد رأت أن هذا زعم باطل تماماً. وحسناً فعل رئيس الوزراء الذي لم يرد على تهجم ماسك، وامتنع حتى عن ذكر اسمه، تاركاً مهمة تفنيد أحكامه لمسؤولين من الصف الثاني ولناطقين رسميين باسم الحكومة.

ولعل هذا التجاهل أزعج ماسك، لأنه افتعل المشكلة أساساً، على الأغلب، في إطار بحثه عن سبب لفتح جبهات جديدة. والحق أن اتهاماته لستارمر، على قسوتها، لا تقارن بتلك التي وجهها لجاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، قبل نحو سنتين حين شبهه بأدولف هتلر، أو لمادورو الذي اعتبر أن "الحمار يفهم أكثر منه"!

ولم يستبعد محللون أنه يحاول إشعال خلافات صاخبة مع زعماء ومشاهير كي يسلط الضوء على منصته ويجلب لها الإعلانات، لا سيما أنها لم تحقق النجاح المنشود وهو نادم على شرائها مقابل 44 مليار دولار. كما ردوا استهتاره وعدوانيته إلى القلق الذي يشعر به بسبب تراجع سعر سهم سيارته "تسلا".

والآن، روبنسون يرقص فرحاً لأن ماسك صار عملياً صوته الذي يوصل شعاراته ومزاعمه إلى نحو 200 مليون إنسان يتابعون منصته "إكس".

وتفاوتت ردات الفعل الغاضبة على تدخله السافر في شؤون بلاد لا يعرفها ولا تعرفه. إلا أن أياً من البريكستيين المتشددين لم يعلق بعد على انتهاكه الفاضح لسيادتهم، وهم الذين رفعوا شعار "فلتستعيدوا السيطرة" على البلاد كمبرر مزعوم لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كان الأولى بهم أن يدركوا أن الانعزال عن الجيران لا يكفي لصون السيادة، التي يمكن لأجنبي مثل صاحب "إكس" أن ينتقص منها عن بعد.

وكانت هناك تعليقات طريفة كالذي كتبته مارينا هايد في "الغارديان" لإسداء نصيحة لصاحب "إكس" بأن يقضي وقته في "إقناع أولاده الـ12 بأن يقبلوا حتى بالتحدث معه" بدلاً من الترويج لادعاءات روبنسون ورفاقه من عتاة المتطرفين والعنصريين على منصته.

والواقع أن ابنته فيفيان لم تقاطعه ولم تتهمه بالكذب والجشع وترفض التكني باسمه فحسب، بل شددت على أنه عنصري اعتاد أن يقول إن "العربية هي لغة العدو"!

وهو تحامل فاضح ع

لى المسلمين في إطار دفاعه عن المتطرفين البريطانيين. غير أن هذه ليست المرة الأولى التي يتهجم فيها على الأديان أو المجموعات والأقليات الدينية والإثنية. كتب في العام الماضي تغريدات كشفت عن معاداته للسامية، فاعترف لاحقاً بحماقته حين أخذ المعلنون يقاطعون "إكس" ويحرمونه من عائدات هو في أمسّ الحاجة إليها. وزار معسكر اعتقال أوشفيتز النازي، كما ذهب إلى تل أبيب ليشدّ على يد بنيامين نتنياهو، للاعتذار ومحاولة طي صفحة غلطته تلك نهائياً.

والأرجح أن حربه الأخيرة ستطول وستجبره على المثول أمام لجنة برلمانية أو ربما محكمة بريطانية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف