إسرائيل خارج السّيطرة: التّداعيات على إيران ووكلائها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جو معكرون
على رغم الترابط في الوقت والسياق، هناك ديناميات منفصلة في عمليتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران والمسؤول العسكري في المجلس الجهادي لـ"حزب الله" فؤاد شكر في بيروت، بعد 10 أيام من الضربة الإسرائيلية الأولى على الحوثيين في ميناء الحديدة اليمني. هذا الهجوم الإسرائيلي الشامل على إيران ووكلائها ليس جديداً وهو مستمر منذ بداية عام 2024، لكن طبيعة الاستهدافات وصلت إلى مستوى غير مسبوق.
الموساد اغتال هنية في أسلوب سري من دون الإعلان أو تبني العملية، فيما الجيش الإسرائيلي تبنى على الفور إغتيال فؤاد شكر. يبدو أن اغتيال شكر حظي بموافقة ضمنية من واشنطن أو على الأقل بمعرفة أميركية مسبقة، لا سيما أنه مُدرج على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالي نظراً إلى دوره في تفجيرات المارينز في بيروت عام 1983. أما هنية فكان على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية منذ فترة، وهو هدف سهل نسبياً مقارنة بقادة "حماس" في غزة ولم يكن بوسع إسرائيل أن تستهدفه سابقاً على الأراضي القطرية، ما قد يثير استياء الدوحة باعتبارها وسيطاً في مفاوضات الهدنة في غزة وحليفاً وثيقاً للولايات المتحدة. يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغط على الزناد في عملية مخطط لها منذ فترة في توقيت حدده الموساد.
اللافت أن حتى الآن أنه لم يعط "حزب الله" ولا قيادته جواباً واضحاً ومفصلاً أبعد من نفي التورط في حادثة مجدل شمس التي استغلتها إسرائيل لاغتيال فؤاد شكر. وعلى رغم التحذيرات الإسرائيلية المسبقة في الفترة الفاصلة من يومين بين حادثة مجدل شمس والضربة الإسرائيلية الفعلية، لم يتخذ "حزب الله" احتياطات أمنية كافية لتفادي استهداف مسؤول عسكري رفيع في منزله في الضاحية الجنوبية. بعد اغتيال المسؤول في حركة "حماس" صالح العاروري في كانون الثاني/يناير الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت أيضاً، خففت حينها إسرائيل من التأثير بالقول إن الهدف الأساسي كان العاروري وليس معقل "حزب الله". أما الآن فليس هناك شك في أن نية الهجوم واضحة، وبالتالي فإن التحدي الذي يواجهه "حزب الله" هو إيجاد طريقة لتوسيع محيط الانتقام وطبيعته من دون إثارة مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
لكن ما جرى في مجدل شمس وتداعياته باغتيال فؤاد شكر يبدو كأنه كان لصرف الأنظار عن العملية الرئيسية التي تمثلت في اغتيال هنية أثناء زيارته طهران لحضور حفل أداء اليمين للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بما يمثل صفعة في وجه النظام الإيراني لأنه يظهر كأنه لم يعد قادراً على حماية حلفائه حتى على أراضيه، ويكشف مدى تسلل الاستخبارات الإسرائيلية إلى إيران خلال السنوات القليلة الماضية.
طبيعة الاغتيال المركّب لإسماعيل هنية لها رسائل عدة مرتبطة بعواصم عدة. أولاً، عملت إسرائيل على تقويض رئاسة بزشكيان في يوم أدائه القسم، وهو شخصية معتدلة تدفع باتجاه إجراء محادثات مع الولايات المتحدة. ثانياً، استهداف هنية ضربة لمفاوضات الهدنة، لا سيما للوسيط القطري، لأن هنية كان لاعباً رئيسياً في كواليس هذه المفاوضات. ثالثاً، نجحت الصين الشهر الماضي في التوصل إلى اتفاق بين "فتح" و"حماس" في وقت يجري فيه الاستعدادات لما يسمى "اليوم التالي" لوقف إطلاق النار في غزة، وهنية كان من الأسماء المرشحة للعب دور قيادي في المرحلة المقبلة.
رابعاً، يأتي هذا الاغتيال بعد زيارة نتنياهو واشنطن مباشرة، ما يعطي انطباعاً لم تبدده واشنطن بأنها توفر الغطاء لخروج نتنياهو عن السيطرة. كانت هناك تساؤلات بعد تنحي الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي إذا ما كانت إدارته لم تعد مقيدة بالحسابات الانتخابية، وبالتالي فهي إما ستمنح نتنياهو شيكاً مفتوحاً أو تفرض عليه وقف إطلاق النار، لكن لم يكن لهذا التنحي أي تأثير بعد على سياسة بايدن. خامساً، أصبحت الحكومة الإسرائيلية الآن أكثر تطرفاً نظراً إلى التغييرات الوزارية في شهر حزيران/يونيو الماضي، وبالتالي فهي أكثر استعداداً لاتخاذ قرارات لتنفيذ مثل هذه العمليات.
خطاب قيادة "حزب الله" كان منضبطاً إلى حد ما لأن نطاق الرد وحجمه وتوقيته أصبحت في يد طهران بعد اغتيال هنية. الرد سيكون عاجلاً أو آجلاً، لكن هناك تساؤلات إذا ما كانت قواعد الاشتباك ستبقى ضمن المعايير المقبولة.
على رغم رقصهما المستمر على حافة الردع وقواعد الاشتباك، تسعى إسرائيل وإيران إلى تجنب أخطار المواجهة المباشرة. إذا لم تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً، كما فعلت بعد الضربات الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان الماضي، قد يكون هناك مجال أوسع لسوء التقدير من الطرفين، وبالتالي هناك حاجة للضغط الأميركي الجدي لوقف إطلاق نار في غزة مع الحفاظ على قنوات تواصل غير مباشرة مع النظام الإيراني عند الحاجة. فيما يمثل اغتيال هنية وشكر انتصارات قصيرة الأجل لنتنياهو، إلا أنها لا تغير الدينامية الإقليمية ولا تساعد المصالح الأميركية.