شظية أوكرانية في إفريقيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مفتاح شعيب
مفتاح شعيب
يثير إعلان كل من مالي والنيجر قطع علاقاتهما بشكل فوري مع أوكرانيا المتهمة بدعم جماعات مسلحة في منطقة الساحل الإفريقي الاهتمام، ليس لكون هذا ما حدث بالفعل أو أن الاتهام صحيح، وإنما لما وراء ذلك من امتدادات للصراع الدائر في أوكرانيا بين روسيا والقوى الغربية، والذي يبدو أنه تجاوز الحدود الأوروبية إلى القارة الإفريقية التي أصبحت ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.
قد لا تملك أوكرانيا ترف الموارد والوقت للتفرغ لمواجهة النفوذ الروسي بعيداً، بينما تخسر في كل يوم بلدة أو منطقة، وتتعرض عاصمتها كييف ومدنها الكبرى لضربات مدمرة، وتواجه غموضاً كبيراً إزاء استمرار الدعم الغربي من عدمه في ظل المعركة الانتخابية الأمريكية الجارية، والاضطراب الأوروبي بين خيارات متناقضة وأزمات عديدة تنفجر من إقليم إلى آخر. وفي هذه الحالة يمكن لكييف أن تتصدى، بالوكالة عن قوى بعينها، لمصالح موسكو في كل مكان، وخصوصاً في القارة الإفريقية التي تشهد مداً روسياً صينياً لافتاً على أنقاض تراجع غربي واضح. وفي هذا التوقيت أنهت القوات الأمريكية وجودها في النيجر وسلمت إلى السلطات المحلية آخر قاعدة لها، كانت تتخذها لمكافحة الجماعات المسلحة في المنطقة. وقبل ذلك واجهت فرنسا المصير نفسه وسحبت قواتها وتضررت مصالحها في هذا البلد إضافة إلى مالي وبوركينا فاسو، الدول الثلاث، التي وقعت الشهر الماضي معاهدة لإنشاء «اتحاد كونفيدرالي» في مسعى منها لرسم مسار مشترك خارج المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي مازالت دولها تحتفي بالدول الغربية وتنظر بحذر شديد للانتشار الروسي والصيني عسكرياً واقتصادياً.
ما جرى من اشتباكات مسلحة في شمال مالي ووقوع خسائر بشرية يثير القلق ويطرح تساؤلات كثيرة عن أسباب تدهور الوضع فجأة. أما حديث أوكرانيا عن قيامها بدعم مجموعات متمردة ضد قوات باماكو ومقاتلين من مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية، لا يعدو أن يكون زوبعة في الصحراء سرعان ما تنجلي وتنكشف التفاصيل. وإذا كانت أوكرانيا قد قامت فعلاً في دور ما، فقد أثارت عليها غضباً من دول المنطقة مثل السنغال وغينيا وغينيا بيساو وساحل العاج وليبيريا وإفريقيا الوسطى، وأغلب هذه الدول، وإن لم تكن على وفاق مع ثالوث مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلا أنها ترفض التدخلات الخارجية الفجة في شؤون الإقليم، الذي يعتبر منطقة شديدة الحساسية، ولا تستطيع، حتى القوى العظمى، المجاهرة بتدخلها، حتى لا تثير حفيظة الخصوم أو تستثير مشاعر الشعوب الإفريقية التي دب فيها الرفض مجدداً للسياسات الاستعمارية الماضية.
قد يكون ما شهده شمال مالي إحدى شظايا الحرب الدائرة في أوكرانيا، وربما مقدمة لمزيد من الأحداث المشابهة في ظل الاستياء من التغلغل الروسي الذي سلب القوى الغربية بعضاً من نفوذها ومصالحها التاريخية، وكل ما يقع ليس غريباً عن المتوقع، لأن المعركة الحقيقية في إفريقيا لم تبدأ بعد، لكن نذرها بدأت تتشكل منذ سنوات، ويبدو أن أطراف الصراع أخذت كل مواقعها وتنتظر دقات الحسم.