القصة القصيرة المظلومة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
«القصة القصيرة قطعة من عمل الخيال، لها وحدة في التأثير، وتُقرأ في جلسة واحدة، والمحك الوحيد لجودتها هو قدرتها على الإبداع».هذا التعريف لفنّ القصيرة قدّمه القاص الإنجليزي سومرست موم، ربما ما كنا سنقرأه لولا أن الناقد الكبير إحسان عباس قام بترجمة مقال لموم ختمه صاحبه بهذا التعريف، أما عنوان المقال فكان القصة القصيرة، وفيه يرى موم أن القصة القصيرة، منذ بداية القرن التاسع عشر، استمدت طوابع مميزة لم تكن لها من قبل، دون أن ينفي أن قصّاً كتب، أو قيل، قبل ذلك، كان لأدبنا العربي نصيب منه، والنموذج الأبرز هو ما دعاه سومرست موم الحكيات الخالدة في ألف ليلة وليلة، إضافة إلى القصص الدينية الإغريقية الأصل والحكايات التهذيبية التي سادت في القرون الوسطى.شيء من الظلم لحق بالقصة القصيرة في فترة من الفترات شبيه بذاك الذي يلحق بها اليوم، بظهور ما أطلق عليه سومرست موم القصص الطويلة، فيومها، وكما هي الحال اليوم «أخذ المؤلفون ينظرون شزراً إلى فنٍ لا يأتيهم بالنقد أو بالشهرة».يأخذ سومرست موم على الكتّاب من بني قومه، الإنجليز، نفورهم من كتابة القصة القصيرة، حتى أنه لم يورد سوى اسمين أو ثلاثة منهم رآهم متميزين فيها، فيما الغالبية يرون أن القصة الطويلة أنسب لإظهار روح القص عليهم، واقفاً عند مفارقة حيّرته، هي أن الإنجليز على عيّهم في الحديث، فإنهم إذا تناولوا الأقلام أو حركوا أصابعهم على الآلة الكاتبة (يومها لم يكن الحاسوب قد ظهر بعد) جنحوا إلى الإسهاب والتطويل، وليس لديهم إحساس طبيعي بالإيجاز، الذي هو أمر لا غنى عنه في القصة القصيرة، وليس لديهم إحساس بالتناسب وهو أمر هام في شكلها، وهكذا وجد الميل الغالب على طبيعة الشعب إلى الإسهاب كفايته في القصص الطويلة، التي لا شكل لها، من قصص العهد الفيكتوري.اختيار ناقد وأكاديمي كبير بوزن إحسان عباس هذا المقال لسومرست موم لترجمته ينمّ عن وعيه بأهمية ما جاء فيه، وجدير بكل المهتمين بالنقد والكتابة السردية خاصة، العودة إليه، وهو متضمن في كتاب عباس «من الذي سرق النار»، الذي حوى مجموعة غنية من دراسات وأبحاث عباس النقدية المنشورة في دوريات عربية مختلفة، قامت بجمعها د. وداد القاضي، ليجمعها هذا الكتاب الصادر عن مؤسسة سلطان بن علي العويس.حين يدور الحديث عن فن القصة القصيرة على المستوى العالمي لا يمكن إلا أن يرد اسم واحد من أهم عمالقة هذا الفن، هو أنطون تشيخوف، الذي خصّه موم بحديث مطوّل في مقاله، ونأمل أن تكون لنا عودة لذلك لنرى تشيخوف بعيونٍ إنجليزية.