جريدة الجرائد

قراءات للصيف وأخرى للشتاء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوسف أبو لوز

.. هل للصيف قراءات، وثمة قراءات أخرى مختلفة للشتاء؟.. هل من كتب تبعث على الدفء في فصل المطر والبرق والرعد؟ في حين أن هناك كتباً تُقرأ في الصيف وتبعث نفسياً وربما واقعياً على الشعور بالخفّة، كما لو أن كتاب الصيف قطعة نسيم؟

أسئلة خفيفة، وقد تبدو ساذجة، ولكن من واقع التجربة الشخصية يميل الناس عادة إلى قراءة الشعر والقصص والروايات الصغيرة (نوڤيلا) في الصيف، في حين يقرأ البعض الروايات الكلاسيكية الكبيرة والنقد والفكر في الشتاء.

ربما الفلسفة أقرب إلى الصيف، في حين التاريخ أقرب إلى الشتاء، أي أن هناك قراءتين: قراءة خفيفة، وقراءة أخرى من العيار الثقيل مثل الأساطير والديانات والميثولوجيات.. القراءة الخفيفة قراءة صيف، والقراءة الثقيلة قراءة شتاء. القراءة الأولى خفيفة لأنها تجري في الهواء الطلق أو في شرفة أو على شاطئ، والقراءة الثقيلة تجري بالقرب من موقد أو كومة حطب مشتعلة أو في سرير دافئ..

.. ما هذا كلّه في الواقع سوى مديح للقراءة، وأشبه بالمزاح مع القارئ، وما تعوز هذه المقالة سوى معلومات (مختبرية) ميدانية إن أمكن القول، وهذه ليست متوفرة لكاتب هذه السطور، غير أن العاطفة البشرية تتأجج عادة مثل النار في الشتاء.. إننا على نحو ما كائنات وجدانية رومانسية حين نقرأ، وفي الشتاء تهجم الذكريات والحنين والصور القديمة، وربما لهذا السبب نقرأ أدب الحزن في الشتاء:.. مثل قصص الحب الصغيرة التي تموت في مهدها، وربما نحب قراءة روايات المغامرة والجاسوسية والغموض في الشتاء أيضاً لأن قصصاً مثل هذه تحدث واقعياً في ليل الشتاء. ليل السّر والعتمة والحيّز الظلامي للتآمر وحبك الخطط والمطاردة..

قرأت رواية ليلة لشبونة للألماني أريك ماريا ريمارك مرّتين، والمرّتان جاءتا في الشتاء، وكان ذلك تماهياً مع الوقائع الليلية التي واجهها شفارتس بطل الرواية في مدينة لشبونة قبل أن تموت زوجته هيلين في المدينة مكان الرواية، ويتبخّر حلمه في الهجرة إلى أمريكا.. لقد كانت رواية ليل، وتحديداً، كانت رواية ليل في الشتاء..

قرأت رواية العطر لزوسكند، في نهارات صيف بالقرب من البحر، وقد كانت جرائم غرونوي بطل الرواية تجري في النهار وفي الليل. لقد ولد غرونوي بلا رائحة. ليس لجسده رائحة على الإطلاق. إنسان بلا رائحة، لكنه امتلك حاسّة شم تلتقط رائحة الفتيات اللواتي كان يقتلهن عن بعد كيلومترات، ويستخلص من روائحهن عطراً سحرياً يدوّخ مدينة بأكملها.. انتقاماً لكونه ولد بلا رائحة..

على أي حال هذه رواية صيف ورواية شتاء معاً. أي أن هناك قراءات صيف وشتاء في آن واحد.. وربما هي تلك القراءات التي تتجاور فيها الشرفة مع موقد النار، ويلتقي فيها سرير النوم مع شاطئ البحر، إذْ لا مكان ولا زمان لهذه النعمة الورقية التي اسمها الكتب، ولا حدود لهذا الخبز المبارك الذي اسمه: القراءة..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف