جريدة الجرائد

حتى أينشتاين لم يصدقه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

شيماء المرزوقي

في القرن التاسع عشر كانت علوم مثل الهندسة الميكانيكية والإلكترونات ونواة الذرة ونحوها في بدايتها، وقد وضع العلماء نظريات وآراء ومخترعات حولها، وباتت من المسلمات، فهي علوم لا يمكن المساس بها، حتى جاء عالم الفيزياء النظرية، نيلز بور، الذي تميز بشغفه وتفكيره المبدع، حيث وضع نظريات في ميكانيكا الكم، والنموذج الذري للذرة، وكان نموذجه للذرة مختلفاً تماماً، عن النموذج التقليدي للذرة في ذلك العصر، وهذا ما أثار قلق العديد من العلماء، لذا بادر البعض منهم بانتقاد نظرياته بشدة، بل واعتبروها غير منطقية وغير قابلة للتطبيق العملي.

وحدث جدال حاد بينه والبعض من العلماء الآخرين، منهم أينشتاين، حول تفسير ميكانيكا الكم وطبيعة الواقع الفيزيائي. ومع قسوة النقد الذي وجه له من علماء معروفين على نطاق العالم في ذلك العصر، إلا أن العالم بور استمر في الدفاع عن نظرياته، وواصل العمل على تطويرها، وفي نهاية المطاف تم قبولها من قبل المجتمع العلمي، لأنه نجح في إثباتها. مثل هذا الصراع والرفض، والنقد القاسي من العلماء للعالم بور، كانت له عواقب سواء على المستوى الشخصي أو المهني، منها تعرضه للعزلة الأكاديمية، فقد كان مرفوضاً من المجتمع العلمي، وبالتالي تم إغلاق الأبواب الأكاديمية والبحثية في وجهه، ودون شك أن هذه الحالة سواء في النقد والرفض، أو في العزلة، سببت ضغطاً نفسياً كبيراً عليه، وشعر معها بالإحباط والألم وهو ما أثر في صحته النفسية، وأثر أيضاً في علاقاته الشخصية.

ومما زاد من الهم والحزن، تأخر منحه بعض المكانات الأكاديمية المرموقة التي يستحقها، ومع كل هذا، فإنه واصل عمله بإصرار وثقة بنظرياته وآرائه العلمية، حتى تمكن في نهاية المطاف من إقناع المجتمع العلمي بها، ليصبح واحداً من رواد الفيزياء الكمومية، في القرن العشرين، وتوج انتصاراته بنيله جائزة نوبل في الفيزياء في عام 1922.

لقد ناضل وصبر، لم يتوقف عن بذل الجهد في توضيح ونشر أفكاره بطريقة سهلة الفهم، كما أنه حرص على التواصل الفعّال، وتبقى شخصيته المرنة والمنفتحة وتقبله هي الصفات التي ساهمت في نجاحه، وتمكنه من إقامة جسور بين العلماء من مختلف التوجهات، ومن مختلف بقاع العالم، واليوم تعتبر نظرياته منهجاً علمياً، ويذكر في التاريخ كواحد من مؤسسي الفيزياء الكمومية الحديثة. قصة هذا العالم تلهمنا معنى التحدي، وتعطينا معنى آخر للصبر، وقيمة بالغة للإيمان بمبتكراتنا وآرائنا.

www.shaimaalmarzooqi.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف