جريدة الجرائد

حزام الصدأ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حسن مدن

د. حسن مدن

الصدأ «طبقة تعلو الحديد ونحوه من المعادن، وتحدث من اتحاده بأوكسجين الهواء، ويسمى كيميائياً بأوكسيد الحديد»، والصدأ، لغةً، هو «كدرة تعلو وجه الشيء»، ولكن للتعبير استخدامات مجازية متعددة، يمكن أن نقول عن أفكار بالية إنها أفكار صدئت، ولكن في الحال التي نحن إزاءها، فإن الصدأ وصف أطلق على حزام جغرافي يقع على جانبي شمال شرق الولايات المتحدة العليا، البحيرات العظمى، وولايات وسط الغرب، للإشارة إلى التراجع الاقتصادي، وانخفاض أعداد السكان، والاضمحلال الحضري نتيجة لتقلص القطاع الصناعي فيها، واكتسب المصطلح شعبية داخل الولايات المتحدة في الثمانينيات.

ومنذ منتصف القرن العشرين، تراجعت الصناعة في الحزام الذي عرف سابقاً بالقلب الصناعي لأمريكا، نظراً لعوامل اقتصادية مختلفة، مثل نقل التصنيع إلى جنوب الشرق، زيادة الأتمتة، تراجع صناعات الصلب والفحم الأمريكية، العولمة، والتدويل، ما يجعل من هذا الحزام ساحة معركة انتخابية حاسمة، لا غنى لأيّ مرشح رئاسي لا لخوض غمارها فحسب، وإنما كسبها، لكي يظفر بالسكنى في البيت الأبيض.

حال هذا الحزام تعبّر عن عمق الأزمة الاقتصادية، بنيوياً، في الولايات المتحدة، وهو أمر تغفله الكثير من المتابعات للشأن الانتخابي الأمريكي، فوفق تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، زادت معدلات الفقر في أمريكا «بنسبة 4.6 نقطة مئوية في عام 2022، كما ارتفع معدل فقر الأطفال بأكثر من الضعف، ولم تعد أي حكومة في الولايات المتحدة، مع اقتصادها المتراجع وإنفاقها العسكري المتزايد، توفر الشروط الأساسية لعيش مقبول لملايين الأسر». وثمّة حديث أيضاً عن «المصانع المهجورة التي تجعل المكان مناسباً لطيور السنونو، بينما المزارع القديمة تصبح مختبرات للميثامفيتامين».

محاولة لتجنب الخطأ الذي أدى إلى هزيمة هيلاري كلينتون، في انتخابات 2016، تحرص المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، على منح ولايات ميشيغان، وبنسلفانيا، وويسكونسن، الواقعة في حزام الصدأ، مزيداً من الاهتمام، لحصد أصوات ناخبيها المؤثرة، حيث يركز الديمقراطيون على هذه الولايات، لأنهم، من التجربة، يعرفون أن الفوز فيها «أوضح طريق» لهزيمة ترامب، فكما أدى إهمالها إلى خسارة كلينتون، أسهم الانتباه إليها في عام 2020 إلى فوز بايدن.

ليس الديمقراطيون وحدهم من يدرك أهمية «حزام الصدأ». مثلهم يدرك ذلك ترامب، وفريقه، ولذلك حرص على اختيار جي دي فانس، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، نائباً له، فهو ينحدر من هذا الحزام، وسبق له أن أشار في كتابه «مرثية هيلبيلي» إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في حزام الصدأ عالقون في حلقة مفرغة من الفقر، والمخدرات، والعنف.

وعلى خطى ترامب، ثمّة ترجيحات أن تختار هاريس جوش شابيرو، حاكم بنسلفانيا الواقعة في الحزام مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، وسط تحفظات في الحزب عليه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف