جريدة الجرائد

فرنسا والأرجنتين.. بين الرياضة والعنصرية!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عماد الدين حسين

هل يمكن فصل الرياضة عن السياسة وبقية مجالات الحياة المختلفة؟ الإجابة هي لا، والدليل الجديد هو الأزمة الكبيرة بين فرنسا والأرجنتين، قبل أيام قليلة، بسبب هتافات بعض لاعبي ومشجعي الأرجنتين، اعتبرتها فرنسا عنصرية ومسيئة وغير لائقة.

القصة أو الأزمة لمن لم يتابعها هي أن بعض لاعبي ومشجعي منتخب الأرجنتين لكرة القدم، كانوا يحتفلون في بيونس أيرس يوم الإثنين 16 يوليو بفوزهم ببطولة «كوبا أمريكا»، التي أقيمت في الولايات المتحدة.

أن يحتفلوا بالفوز في المباراة النهائية ضد كولومبيا هو أمر طبيعي ومعتاد، لكن غير المعتاد أنهم قاموا بترديد أغنية تقول: «إنهم يلعبون في فرنسا، لكن والديهم من أنغولا أو نيجيريا أو أن والدتهم من الكاميرون، كم هو لطيف، سوف يركضون، هذا أنغولي وذاك نيجيري وآخر كاميروني، ولكن الوثيقة تقول إنهم يحملون الجنسية الفرنسية».

هذه الأغنية الجدلية ليست وليدة اللحظة، ولكنها ظهرت للمرة الأولى في نهائي كأس العالم الذي أقيم في الدوحة في شتاء عام 2022 بين فرنسا والأرجنتين، وانتهى لمصلحة الأرجنتين وفوزها بكأس العالم.وبطبيعة الحال فإن بعض لاعبي منتخب فرنسا، والعديد من لاعبي المنتخبات الأوروبية، من ذوي الأصول الإفريقية حصلوا على جنسية البلدان التي يلعبون لها في السنوات الأخيرة، والجدل الذي تثيره الأغنية ليس جديداً، فقد ثار بالأساس حينما فاز المنتخب الفرنسي بكأس العالم عام 1998، وكان معظم لاعبيه من ذوي البشرة السمراء، سواء كانوا قادمين من إفريقيا، أو من بلدان الكاريبي.

وأظن أن هذا الأمر لعب دوراً مهماً في الرد على مقولات ونظريات اليمين المتطرف في الغرب خصوصاً فرنسا، فحزب التجمع الوطني أو الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبان كان وما يزال يرجع كل مشاكل فرنسا إلى المهاجرين خاصة القادمين من إفريقيا والعالم العربي. وحينما فاز الفريق بقيادة اللاعب ذي الأصل الجزائري زين الدين زيدان، خاطب الكتاب والمثقفون الفرنسيون المتطرفين قائلين: لولا هؤلاء المهاجرون الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية، ما حصلنا على كأس العالم.. هؤلاء المهاجرون هم من أدخلوا البهجة والفرحة على قلوب الفرنسيين.

وأظن أن مساهمة اللاعبين ذوي الأصول الإفريقية في فوز البلدان الأوروبية التي يمثلونها، لعبت دوراً مهماً في فضح وكشف مقولات وأفكار الأحزاب والقوى العنصرية في الغرب. لكن ما حدث الأسبوع الماضي.. أعاد القضية للظهور مرة أخرى.

أن يرتكب بعض المشجعين أفعالاً عنصرية في مدرجات الملاعب، أمر اعتدنا عليه، ويحاول الاتحاد الدولي والاتحادات الوطنية لكرة القدم التصدي له بكل الطرق، وتوقيع عقوبات شديدة على مرتكبيه، لكن الجديد الآن أن هذه المشكلة لم تتورط فيها الجماهير فقط، بل شارك فيها بعض لاعبي منتخب الأرجنتين، ولذلك أصدر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بياناً يدين ويستنكر فيه ما فعله الفريق الأرجنتيني ومشجعوه، معتبراً هذه الهتافات «ذات طبيعة عنصرية وتمييزية» ضد الفريق الفرنسي، خصوصاً أنه تم بثها على نطاق واسع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وجاء في البيان أيضاً: «نظراً لخطورة التعليقات الصادمة التي تتعارض مع قيم الرياضة وحقوق الإنسان، قرر الاتحاد الفرنسي تقديم شكوى قضائية بتهمة التعليقات المهينة ذات الطابع العنصري والتمييزي».

وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا وصفت هذه الهتافات بأنها مثيرة للشفقة، وسلوك غير مقبول لأنه يتكرر بصورة لا يمكن الصمت حيالها». والذي زاد الطين بلة أن لاعب تشيلسي ومنتخب الأرجنتين انزو فرنانديز وضع المقطع الغنائي على صفحته في انستغرام، وشاهده ملايين المتابعين، وأدى إلى أن زملاءه الفرنسيين في تشيلسي ويسلي فوفانا ومالوجستو واكسل ديساسي انتقدوه، وألغوا متابعته، وربما يقوم فريق تشيلسي بفتح تحقيق داخلي في الأمر، حتى رغم اعتذار إنزو، وقوله إن كلمات الأغنية لا تعكس معتقداته أو شخصيته.

وقرر الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» فتح تحقيق في الواقعة. لكن الأغرب أن الرئيس الأرجنتيني المصنف من اليمين المتشدد لم يستنكر هذا التصرف، بل أقال وكيل وزارة الرياضة لأنه طالب نجوم المنتخب الأرجنتيني الكبار بالاعتذار عن الأغنية، رغم أنهم لم يكونوا حاضرين أثناء ترديدها وفي مقدمتهم ليونيل ميسي.أخيراً ما الذي تعكسه هذه الواقعة؟!

في ظني أن الملاحظة الأولى أن الرياضة صارت العنوان الأبرز ليس فقط للمنافسة الرياضية الأخلاقية كما يفترض، ولكن أيضاً للتنافس بين الأمم بصورة تبدو أحياناً ضد المنطق والروح الرياضية والتسامح. يردد بعضنا دائماً أنه لا يجب خلط الرياضة بالسياسة أو بأي مجالات وأنشطة أخرى، لكن للأسف فإن واقع الحال يقول إن الرياضة اختلطت بكل شيء، ولم يعد سهلاً أن نجعلها مجرد رياضة.

البعض يذهب للقول إن الرياضة حلت محل الحروب إلى حد كبير في تفريغ طاقة الغضب أو التعصب أو المنافسة بين الدول والأمم المختلفة. وأخيراً نتمنى أن تعود الرياضة لتعكس الروح الرياضية والمنافسة الشريفة، والتقريب بين الشعوب والأمم، وليس لزيادة التعصب والعنصرية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف