جريدة الجرائد

رسائل الاغتيالات المنهجية.. وما بعدها

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله السناوي

لم تكن عودة الاغتيالات المنهجية محض تصفية حسابات قديمة ومستجدة.

إنها لعب بالنار عند حافة هاوية بإقليم تكاد تشتعل النيران في جنباته كلها.

إثر اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران بعد يوم واحد من اغتيال فؤاد شكر أبرز القادة العسكريين في «حزب الله» تبدت مخاوف واسعة من انفلات وشيك إلى حرب إقليمية مدمرة.

برمزية موقعه حمل اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية تحدياً يصعب تجاوزه من دون رد مماثل، وإلا تقوضت هيبة طهران الإقليمية.

بالتوقيت، فإن الاستهداف جرى في اليوم الأول لتسلم الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان منصبه، كأنه محاولة لقطع الطريق على رهانه الانتخابي في تحسين العلاقات مع الغرب.

وبالموقع، فإنه جرى بأحد المباني التابعة للحرس الثوري، كأنه رسالة أخرى تطعن في الإجراءات الأمنية وتشكك في اختراقها.

بقدر آخر، مثّل اغتيال شكر في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت انتهاكاً لكل الخطوط الحمر في قواعد الاشتباك وتحدياً لقدرة «حزب الله» على الردع.

في الحدثين المتعاقبين نذير بعودة الاغتيالات المنهجية، التي أخذت مداها عند مطلع القرن بالنيل من مؤسس «حماس» الشيخ أحمد ياسين وبعده عبدالعزيز الرنتيسي أقوى رجالها، وعدد كبير آخر من القيادات السياسية والعسكرية في العمل الوطني الفلسطيني، كان أخطرها الوصول بالسم إلى زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.

العودة إلى الاغتيالات المنهجية يفسح المجال واسعاً لعودة مضادة ونشوء منظمات فلسطينية تتبنى خيار التصفيات الجسدية على النحو الذي كان شائعاً في سبعينات القرن الماضي.

عكس هنية، لم يكن شكر وجهاً مألوفاً في الحياة العامة، رغم مكانته العالية في صلب القرار العسكري والسياسي للحزب.

استخدمت ذريعة الانتقام لمقتل اثني عشر طفلاً من العرب الدروز في «مجدل شمس» بالجولان المحتل لشن غارة على الضاحية الجنوبية نالت من أبرز قياداته العسكرية، الذي تتهمه واشنطن بمسؤولية الهجوم على مقر مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983.

يستلفت النظر أن إسرائيل رفضت أي تحقيق دولي في حقيقة واقعة «مجدل شمس» ومضت بعيداً بالاستثمار السياسي لإثارة الفتن بين العرب الدروز والعرب الآخرين، وبين الدروز أنفسهم.

أجهضت الفتنة من دروز الجولان وأهالي الأطفال الضحايا، طردوا وزير المالية المتطرف «بتسلئيل سموترتش» من المشاركة في الجنازة ورفضوا أن يجمعهم مشهد واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو».

إثر الاغتيالين المتعاقبين خيمت سيناريوهات عديدة للرد، بعضها يتحدث عن عملية منسقة لها دوي وأثر تعيد من جديد معادلات الردع بين إسرائيل وإيران إلى الأوضاع التي بدت عليها في إبريل/ نيسان الماضي.

لكل ضربة رد فعل عليها، ولكل عمل داخل الحدود فعل مضاد داخل الحدود الأخرى. هذا ما سوف يحدث، بصورة أو أخرى، لكن من دون أن يكون واضحاً حتى الآن طبيعة الرد وحدوده، جامحاً بقدر خطورة الاغتيالين أم رمزياً حسبما تضغط دوائر أمريكية وأوروبية عديدة.

بأثر اغتيال هنية يصعب الحديث بأي مدى منظور عن استئناف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة والدوحة بين حماس وإسرائيل.

لم يكن معقولاً اغتيال المسؤول السياسي الفلسطيني الأول أثناء المفاوضات إلا أن يكون مقصوداً نسف أية رهانات على وضع حد للحرب في غزة بصفقة تبادل للأسرى والرهائن.

بالضبط هذا ما يريده نتنياهو لأسباب تتعلق بمستقبله السياسي وطلبه إدامة الحرب وتوسيعها حتى يحقق ما يسميه ب«النصر المطلق».

بأثر اغتيال شكر تتباعد أية احتمالات لتهدئة الجبهة الشمالية الإسرائيلية وعودة آلاف الأسر إلى المستوطنات التي اضطروا لمغادرتها.

بالاغتيالين حاز نتنياهو مكسباً يثبت مكانته السياسية داخل الرأي العام الإسرائيلي بعدما اهتزت بشدة بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكنه هش بأي حساب استراتيجي وتداعياته لا يمكن التحكم فيها.

ربما أفضى الاغتيالان إلى رد اعتبار الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، التي تضررت تماماً، لكنه جاء منقوصاً ومشكوكاً فيه بالنظر إلى الدور الأمريكي الذي وفر المعلومات التفصيلية والتقنيات الحديثة التي استخدمت رغم نفي واشنطن المتواتر لأية صلة، أو علم مسبق باغتيال هنية.

كان ذلك النفي تعبيراً عن خشية أن تفلت ردات الفعل إلى حرب إقليمية لا تريدها وتضر بمصالحها لا إقراراً بالحقيقة.

حاولت الإدارة الأمريكية التحكم المسبق في مسار المواجهات المحتملة بعد تحقيق أهداف الاغتيالين.. مرة بالتأكيد أن هناك فرصاً لوقف الحرب على غزة وإتمام صفقة التبادل.. ومرة أخرى بالتحذير من عواقب وتداعيات الحرب الإقليمية المحتملة.

الحسابات ملغومة وسيناريوهات الحرب الإقليمية الواسعة محتملة أكثر من أي وقت مضى.

معضلة السياسة الأمريكية أنها توفر لإسرائيل الغطاء السياسي والاستراتيجي اللازم لانتهاك كل القواعد القانونية الدولية دون رادع، وتحذر الطرف الآخر من الانزلاق لحرب إقليمية دون اعتبار لمصالحه وهيبته.

إنها وصفة انفجار إقليمي نذره ماثلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف