ألمانيا.. والمواجهة مع روسيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد خليفة
محمد خليفة
تتسارع خطى التغيير على مستوى أوروبا والعالم، وهذا التغيير ملحوظ، في مواقف العديد من الدول، منذ بدء الحرب، ولها جهان: وجه ظاهر ملحوظ، وهناك وجه آخر في الخفاء قد يتكشف بين الفينة والأخرى.
من قواعد السياسة الدولية أن التحالفات والتصريحات تشي بأن هناك أشياء خطرة يتم الإعداد لها قد تغيّر وجه التاريخ ولقرون عدّة مقبلة. ذلك أن الغرب الذي فرض سطوته على العالم منذ القرن السادس عشر، بدأ يفقد قدرته على مواصلة هيمنته، بسبب عوامل، ديموغرافية واقتصادية، خاصة به، وبسبب ظهور أقطاب دولية جديدة باتت تنتج أكثر من الإنتاج الصناعي الذي يأتي من الغرب، ولأن القوى لا تسقط من تلقاء نفسها، بل من خلال المواجهة والمغالبة في شتى المجالات، فقد تتابعت الأحداث من مطلع هذا القرن عندما أعلنت روسيا والصين عن عقد معاهدة (التعاون الودّي) بينهما، وتحولت تلك المعاهدة، فيما بعد، إلى علاقة خاصة تتمتع فيها الدولتان بشراكة وثيقة عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً.
وقد بدا أن الدولتين أصبحتا تمثلان محوراً واحداً في وجه دول التحالف الغربي. وقد قابلت الولايات المتحدة التعاون الروسي الصيني بالعمل على تسريع ضمّ دول شرق أوروبا، التي كانت منضوية تحت لواء الاتحاد السوفييتي سابقاً، إلى حلف شمال الأطلسي، واقترب هذا الحلف كثيراً من حدود روسيا، حتى أصبحت موسكو على مرمى حجر من حلف الناتو، كما كثفت تعاونها العسكري مع تايوان، وبعض الدول الحليفة لها في جنوب شرق آسيا، وكان الهدف من ذلك هو تطويق كل من روسيا والصين بدول غير صديقة، ما يؤدي في النهاية إلى احتواء الدولتين، ومنعهما من كسر الهيمنة الغربية في العالم.
وكانت أوكرانيا في قلب الاستراتيجية الغربية ضد روسيا، وقد تم دفع الأوضاع فيها نحو ثورة ملوّنة تمكنت من المجيء بحكم موالٍ للغرب فيها عام 2014، فسارعت روسيا إلى اقتطاع شبه جزيرة القرم من الأراضي الأوكرانية، وقامت بضمّها إليها، فبدأت، منذ ذلك التاريخ، الخطوات نحو نزاع شامل بين المحورين، وتحولت أوكرانيا، من خلال الحرب الهائلة الدائرة فيها الآن، إلى مكان لتحطيم قوة كل منهما، العسكرية والاقتصادية. لكن أوكرانيا باتت تحتضر بسبب القوة الروسية الطاغية، وسقوطها سيكون بمثابة كارثة كبرى للغرب، وسوف تبرز روسيا كقوة لا تقهر.
لذلك عادت دول أوروبا الكبرى إلى رسم استراتيجيات جديدة، وتمثل ألمانيا وفرنسا أهم قوتين في البر الأوروبي، وقد كانت الدولتان محور الحربين العالميتين، كعدوّين لدودَين، لكنهما أصبحتا جزءاً من التحالف الغربي، بزعامة الولايات المتحدة.
لقد كانت فرنسا حليفة لروسيا، خلال الحرب العالمية الأولى التي خاضتها روسيا إلى جانب الحلفاء. وفي الحرب العالمية الثانية وقف الاتحاد السوفييتي السابق إلى جانب الحلفاء (بريطانيا وفرنسا)، وضد محور (برلين _ روما)، وتمكن الروس من إلحاق هزائم كبيرة بالجيش النازي في معارك ستالينغراد، وكانوا أول من دخل برلين في إبريل/ نيسان عام 1945. واليوم تعود ألمانيا إلى عداوتها السابقة، وتقرر السعي للمواجهة مع روسيا، بالتعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة. وفي هذا الصدد فقد نشرت مجلة «بوليتيكا»، تقريراً جاء فيه أن «ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا، وهي تستثمر وتوظف المال في كل شيء، بدءاً من الذخيرة وحتى كل شيء آخر، وعلى نطاق واسع في النقل، والطائرات، والدفاع الجوي، وأنظمة القيادة والسيطرة، ومنصات الاستطلاع، والأقمار الصناعية، والطائرات من دون طيار».
يبدو أن ألمانيا ستدخل الحرب إذا شعرت بأن الحكومة الأوكرانية قد شارفت على الانهيار، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، أخيراً، أنها ستنشر صواريخ «توما هوك» و«6_SM» في ألمانيا، وتطلق تلك الصواريخ من الغواصات، وسطح البحر، ومن الأرض، والجو، ويصل مدى الصاروخ إلى 2500 كيلومتر، على أن المسافة من ألمانيا إلى الأراضي الروسية، عدا كالينينغراد، نحو 1200 كيلومتر. ويوم الأحد الماضي، هدّد الرئيس بوتين باستئناف إنتاج أسلحة نووية متوسطة المدى إذا أكدت الولايات المتحدة عزمها نشر صواريخ في ألمانيا، أو في أيّ مكان في أوروبا. وقد حذرت روسيا من أن «نشر صواريخ أمريكية بعيدة المدى في ألمانيا قد يجعل عواصم أوروبية أهدافاً للصواريخ الروسية».
الواقع أن التغيير الكبير الحاصل اليوم، هو احتمال خروج فرنسا من التحالف الغربي ضد روسيا، ذلك أن فرنسا تدرك جيداً أن عدوتها، التاريخية، هي ألمانيا وليست روسيا، وهناك خلاف تاريخي طويل بين البلدين يمتد إلى «معاهدة فردون» عام 843 للميلاد، التي قسّمت مملكة الفرنجة، وأظهرت ألمانيا كوحدة شعبية وسياسية مختلفة عن فرنسا، وتم تحديدها «بين نهري الألب من الشرق والراين من الغرب، مضافاً إليها اللورين، وميتز، وورمز، وأسبير». وليس السلام الذي كان بين الدولتين حتى الآن، إلا سلاماً فرضته ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومع تغير تلك الظروف، فإن العداوات السابقة سوف تظهر من جديد، بخاصة أن ألمانيا استعادت قوتها، وعافيتها تحت سقف «الناتو»، وباتت مخيفة أكثر بالنسبة إلى الفرنسيين. كما أن فرنسا ملت من قيادة ألمانيا للاتحاد الأوروبي على اعتبار أنها القاطرة الاقتصادية الأكبر في أوروبا.