افتضاح الافتتاح!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في فيديو شهير يتحدث بيرس مورغان قائلاً: «شخص على الطرف الآخر من الشارع يبدو غاضباً؛ لأنه يريدني أن أتركه يرتدي ما يريد، فأقول بأنه لا مشكلة لدي، يرتدي ملابس مختلفة عن جنسه الذي يبدو عليه، لكنه ما زال غاضباً، هذه المرة يريدني أن أتقبله كما يبدو في هذا اللباس، فأقول لا بأس، تبدو رائعاً، لكن القصة لا تنتهي، فالشخص الذي على الرصيف المواجه ما زال غاضباً، ويبدو أكثر غضباً من ذي قبل، هذه المرة يريدني أنا أن أرتدي ما يرتديه».
لست ميالاً للحديث عن هذه الفئات، فالعقلاء والأسوياء يعلمون جيداً مرتبتهم الفعلية بين البشر، ولكن يبدو أن الوضع انفلت على الآخر، وربما حتى أكون دقيقاً في التعبير «أُفلِتَ» عمداً، والحرب الآن ليست على الفضيلة، لأنهم – أي الغربيين وأذنابهم – قد «ميَّعوا» معنى الفضيلة، فأنت متحجر، رجعي، متزمت، أحادي النظرة، لا إنساني، غير متناغم مع ما حولك ومن حولك، إنْ لم تَسِر في ركاب القوم الذين لا يُعرف ذكورهم من مؤنثيهم، فالفضيلة أصبحت الآن هي تقبل المختلف عنك حتى لو لم يتقبل بقاءك على الفطرة السوية، والفضيلة أصبحت في المبالغة في التصنّع وأنت ترى وجه رجل بشارب ولحية غليظين يضع مساحيق تجميل ويقدّم نفسه بأنه زوجة البغل الموجود بجانبه، وما عليك سوى أن تقول: «ياه، تبدوان كشريكي حياة رائعين!».
يكون الاعتراف أكثر مصداقية وحيادية عندما يكون محسوباً على الطرف المخطئ، فها هو فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، يقول بملء فيه: «لا توجد أخلاق في العالم الغربي، وقد أتى تصريحه عشية الافتتاح الكارثي لأولمبياد باريس، الذي لم يكن سوى عرس مقرف للشواذ والمتحولين، وتجرأ على الأديان بصورة غير مسبوقة على مرأى من العالم أجمع في أكبر تظاهرة رياضية عالمية، واتصلت الإساءة لتُختَم بكارثة مدوية بالسخرية من لوحة العشاء الأخير للسيد المسيح عليه السلام، واستبداله وحوارييه بحفنة من حثالات البشر الشاذين والمتحولين والمتحرشين بالأطفال».
لا يحتمل الأمر أي عفوية أو نية طيبة أخطأت الطريق، فاللحظة كانت هي فرصة العمر التاريخية لتقديم الوجه الجديد للعالم الذي تريده فرنسا ومن سار في رَكْبها، الأولمبياد ليس ككأس العالم لكرة القدم، فالثاني محصور غالباً بعشاق الكرة فقط، أما الأولمبياد فيحوي كل الرياضات المتنوعة تقريباً، ويستهدف كل عشاقها، وهم بالمليارات، وفي تلك الساعات القليلة يمكن أن تفعل الرسالة الموجهة في الافتتاح ما لا تفعله وسائل الإعلام الموجّهة في سنوات طويلة، والصدمة التي ضربت كل من شاهد الافتتاح ليست بالشيء الهين رغم الرفض الشعبي الجارف لما رأوه، فهي مسّت العقيدة، هزّت الضمير، سخرت من المقدس، وخلقت - وهو الأخطر- حالة من الرعب لما يمكن أن تحمله الأيام من هذه الفئة التي تسلّطت على أكبر منبر لنشر فكرها دون حياء، وبالتأكيد دون خوف!
إن ما جرى في الافتتاح الفاضح لم يكن حدثاً عابراً أو مغامرة غير محسوبة أو غلطة، وسامحونا آخر مرة، بل هي تدشين لعصر جديد، عصر لا مكان للدين فيه، لا محل للأخلاق والقيم والمبادئ السامية بداخله، عصر يقدم إنساناً يرى الرذيلة فضيلة، والفضيلة رذيلة، ومن لا يعجبه فليشرب من البحر، ولا أستغرب أن نرى قريباً سُعاراً لدى حكومات الغرب لفرض أجندات عالمية تحارب الدين أو تحيّده لآخر حد، وتتدخل في تربية وتنشئة الأجيال الصغيرة حسب ما تراه النخبة النيوليبرالية، التي تتحكم بالكثير من أمور العالم.
هذه النخبة التي قد تكون أقلية مقارنة بأعداد البشر، لكنها الأقلية الأكثر تأثيراً والأقدر تنفيذاً، ولا أشك لحظة بأنها وراء فكرة افتتاح باريس، هي نخبة تتحكم بالكثير الذي نلمسه، لكن بعضنا لا يربط بين المتفرقات لحسن نيّته، فما رأيناه في الافتتاح هو في ذات سياق ونسق مسلسلات نتفليكس وأمازون برايم وديزني، وهو ذات نسق بيوت الموضة والإعلانات التي لا يكاد يخرج فيها الرجل إلا حليقاً بعيون حالمة لا تفرّقه كثيراً عن الفتيات، وهو النسق ذاته الذي أغرق الكتب «بكل اللغات» بفكر يستهدف الدين ويستهين بتعاليمه ومحرماته، ويُعلي من شأن الاختيار الفردي وأحقيته المطلقة في إشباع رغباته ونزواته.
أختم هنا بما قاله الصحافي البريطاني روبرت كارتر تعليقاً على افتتاحية أولمبياد باريس: «أخبرونا أن الإسلام هو التهديد الذي سيدمر الغرب، الحقيقة أن الأيديولوجيات العلمانية المناهضة للدين هي التهديد الحقيقي للغرب.. لا تصدقوا الأكاذيب، تعرَّفوا على الإسلام وأنقذوا العالم».